ويتبيّن من ذلك أنّه لا يوجد الخطأ في مرحلة الحسّ ( ظهور الأثر الطبيعي في الحاسّة ) وذلك لأنّها لا تشتمل على الشروط المتقدّمة . فالعضو الحسّاس للكائن الحيّ يتأثّر جرّاء تماسّه الخاصّ بالجسم الخارجي ، وترد بعض سمات الجسم الواقعية إلى العضو ، وجرّاء تصرّف العضو الحسّاس بخواصّه الطبيعيّة في هذه السمات يحصل أثر ، هو بمثابة مجموعة مركّبة من واقع الجسم الخاصّ ( وهذا معنى ما قيل من أنّ الحواسّ تصل إلى ماهية الخواصّ ) وواقع العضو الحاسّ الخاصّ . في هذه الظاهرة ليس هناك أيّ حكم ، ومن ثمّ لا يكون عندنا خطأ وصواب . مثلاً ترد العين - جرّاء تماسّها الخاصّ بالأجسام الخارجية - أشعّة تتفاعل مع الخواصّ الهندسية والفيزيائية للعين ، وتستقرّ في النقطة الصفراء . ومن الواضح أنّه ليس هناك خطأ وصواب في هذه المرحلة . ثمّ تأتي في المرحلة الثانية قوّة أخرى لإدراك هذه الظاهرة المادّية ، على أنّها تدركها بالشكل الذي استقرّت عليه وبخواصّها الهندسية والفيزيائية ، وتحكم على أجزاء الصورة أحكاماً بعدد النسب الحاصلة فيها من حيث الصغر والكبر والجهة والحركة وغيرها . ففي المثال المتقدّم للضوء المستقرّ في النقطة الصفراء أجزاء ، وقد توفّر كلّ جزء منها على لون وشكل هندسي خاصّ ، ونسبة نظير الكبر والصغر والقرب والبُعد والجهة والحركة ، فتصدر أحكام بعدد التركيبات التي تأتي بها المدركات : « هذا الجزء أكبر من ذاك » و « هذه الجهة من الصورة بيضاء » و « هذه الحمرة بعيدة » و « هذا القسم متحرِّك » . ورغم وجود الحكم في هذه المرحلة ، لكن بما أنّ القياس والنسبة لم تحصل فلا خطأ ولا صواب في البين .