نام کتاب : الفوائد المدنية والشواهد المكية نویسنده : السيد نور الدين العاملي جلد : 1 صفحه : 459
ينبغي أن يتأمّل جيّداً ، فإنّه يسقط معتمد القوم في أدلّتهم ، فربّما لم يتصوّر كثير من الّذين يتكلّمون في هذا الباب ما بيّنّاه ، ومتى تأمّله من يضبط الأُصول وقف على وجه الصواب في ذلك . فإن قيل : كيف يمكنكم أن تدفعوا حسن هذه الأشياء ونحن نعلم ضرورة حسن التنفّس في الهواء وتناول ما يقوم به الحياة طول مدّة النظر في حدوث العالم وإثبات الصانع وبيان صفاته ، وعلى ما قلتموه ينبغي أن يمتنع في هذه الأوقات من الغذاء وغير ذلك ، وذلك يؤدّي إلى تلفه وعطبه ، ومن ارتكب ذلك علم بطلان قوله ضرورة . قيل له : أمّا التنفّس في الهواء فالإنسان مُلْجأ إليه مضطرّ وما يكون ذلك حكمه فهو خارج عن حدّ التكليف ، فإن فرضوا [1] فيما زاد على قدر الحاجة فلا نسلّم ذلك بل ربّما كان قبيحاً على جهة القطع ، لأنّه عبث لا فائدة فيه ولا نفع في ذلك يعقل . وأمّا أحوال النظر فمستثناة أيضاً ، لأنّه في تلك الأحوال ليس بمكلّف أن يعلم حسن هذه الأشياء ولا قبحها ، لأنّه لا طريق له إلى ذلك ، وإنّما يمكنه ذلك إذا عرف الله تعالى بجميع صفاته وأنّه ينبغي أن يعلمنا مصالحنا ومفاسدنا ، فإذا علم جميع ذلك حينئذ تعلّق فرضه بأن يعلم هذه الأشياء هل هي على الحظر أو على الإباحة ؟ وفي هذه الأحوال لا يجوز له أن يقدم إلاّ على قدر ما يمسك رمقه وتقوم به حياته . ومن أصحابنا من قال : إنّ في هذه الأحوال لابدّ من أن يعلمه الله تعالى ذلك بسمع يبعثه إليه فيعلمه أنّ ذلك مفسدة يتجنّبه أو مصلحة يجب عليه فعله أو مباح يجوز له تناوله . وعلى ما قرّرته من الدليل لا يجب ذلك ، لأنّه إذا فرضنا تعلّق المصلحة والمفسدة بحال المكلّف لم يمتنع أن يدوم ذلك زماناً كثيراً ، ويكون فرضه فيه كلّه الوقف والشكّ والاقتصار على قدر ما يمسك رمقه وحياته . وهذا الدليل الّذي ذكرنا هو المعتمد في هذا الباب ، والّذي يلي ذلك في القوّة أن يقال : إذا فقدنا الدلالة على حظر هذه الأشياء وعلى إباحتها وجب التوقّف فيها وتجويز كلّ واحد من الأمرين . وليس يلزمنا أكثر من أن نبيّن أنّ ما تعلّق به كلّ واحد من الفريقين ليس بدليل