كذب الأوّل وحده ، لأنّ احتمال كذب الأوّل كان واحداً من اثنين ، لكن احتمال كذبهما معاً يكون واحداً من أربعة ، لأنّ الصور تكون أربعة : احتمال كذبهما معاً . احتمال صدقهما معاً . احتمال صدق الأوّل وكذب الثاني . احتمال كذب الأوّل وصدق الثاني . فإذا أخبر الثالث تصير الصور ثمانية ويصير احتمال كذبهم جميعاً واحداً من ثمانية ، وهكذا يضعف احتمال الكذب في المقام بمقتضى قوانين حساب الاحتمالات حتّى يصل إلى درجة من الضعف بحيث يزول ضمن قواعد معيّنة ، لا لأجل ملازمة عقليّة بين موت زيد وبين هذه الإخبارات . وبهذا يتّضح بناءً على قواعد المنطق الذاتي أنّنا وإن كنّا نعلم بالقضيّة القائلة : « كلّ قضيّة ثبت تواترها فهي ثابتة » لأنّ هناك علماً بأنّ المحمول ثابت للموضوع وأنّه لا ينفكّ عنه ، لكن هذا لا يثبت لنا أنّ المحمول لا يمكن أن ينفكّ عن الموضوع ، والتلازم يعني الثاني ، وما نعلمه على أساس تراكم القيم الاحتمالية وزوال الاحتمال المخالف لضآلته في التواتر هو الأوّل . من هنا يظهر فارق أساسيّ بين حجّية التواتر على قواعد المنطق الأرسطي وحجّيته على أساس المنطق الذاتي ، فإنّ الأوّل يفيد اليقين المنطقي والثاني يفيد اليقين الموضوعي ، وهو اليقين الذي يمكن للاستدلال الاستقرائي أن يحقّقه عبر تنميته المستمرّة للتصديق بالقضيّة الاستقرائيّة [1] .
[1] المذهب الذاتي في نظرية المعرفة ، مصدر سابق : ص 542 - 545 .