للعبد على الله تعالى في الرتبة السابقة ، فلو حرمه من هذا الحقّ لكان ظالماً ، ومن هنا عرّفوا الظلم بأنّه سلب ذي الحقّ حقّه . وهذا البيان لمضمون قاعدة اللطف والعدل الإلهي ممّا أسّس له المعتزلة في بحوثهم الكلاميّة ، وأثبتوا أنّ هناك حقّاً واقعيّاً خارجاً عن فعل الواجب تعالى ، وينبغي على الواجب أن يكون فعله وتشريعه مطابقاً لتلك الحقوق والمصالح والمفاسد الواقعيّة . في قبالهم ذهب الأشاعرة إلى أنّ ما يفعله الله هو الحسن وما ينهى عنه هو القبيح بنفسه ، لا أنّ هناك حسناً وقبحاً في الرتبة السابقة على فعله . في هذا المجال يقرّر العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه : « وقد ساقت العصبيّة المذهبيّة الطائفتين الباحثتين عن المعارف الدينيّة في صدر الإسلام إلى تقابل عجيب بالإفراط والتفريط في هذا المقام ، فطائفة - وهم المفوّضة - أثبتوا مصالح ومفاسد نفس أمرية وحسناً وقبحاً واقعيّين هي ثابتة ثبوتاً أزليّاً أبديّاً غير متغيّر ولا متبدّل ، وهي حاكمة على الله سبحانه بالإيجاب والتحريم ، مؤثّرة في أفعاله تكويناً وتشريعاً بالحظر والترخيص ، فأخرجوه تعالى عن سلطانه ، وأبطلوا إطلاق ملكه . وطائفة - وهم المجبرة - نفت ذلك كلّه ، وأصرّت على أنّ الحسن في الشيء إنّما هو تعلّق الأمر به ، والقبح تعلّق النهي به ، ولا غرض ولا غاية في تكوين ولا تشريع ، وأنّ الإنسان لا يملك من فعله شيئاً ولا قدرة قبل الفعل عليه ، كما أنّ الطائفة الأولى ذهبت إلى أنّ الفعل مخلوق للإنسان وأنّ الله سبحانه لا يملك من فعل الإنسان شيئاً ولا تتعلّق به قدرته » [1] .
[1] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 7 ص 122 .