في ضوء ذلك وقع الاختلاف في تحديد الاتّفاق المطلوب تحقّقه من الإجماع ، فقيل : إنّه مطلق الأمّة ، وقيل خصوص المجتهدين منهم في عصر ، وفي رأي مالك اتّفاق أهل المدينة ، وقال بعضهم اتّفاق أهل الحرمين ( مكّة والمدينة ) ، أو أهل المصرين ( الكوفة والبصرة ) وربما ضيّق إلى اتّفاق الشيخين ، أو الخلفاء الأربعة ، وفي بعض المذاهب اتّفاق خصوص مجتهديهم [1] . من هنا وقع الاختلاف الشديد في الإجماعات التي ادُّعي قيامها على بعض المسائل الأصوليّة والفقهيّة ، ولا سبب لذلك إلاّ عدم تحديد المراد من الإجماع بالشكل الصحيح . المسألة الثانية : هل الإجماع أصلٌ مستقلّ للكشف عن الحكم الشرعي في قبال الأصول والقواعد والطرق الأخرى ؟ فتارةً يُدّعى أنّ الإجماع كاشف عن الحكم الشرعي مباشرةً ، كما هو الحال في كشف الآية أو الرواية أو العقل عن ذلك ، أي كشفاً مباشراً من دون توسّط أمر آخر ، ومن ثمّ يكون الإجماع دليلاً في عرض الأدلّة الثلاثة الأخرى . وأخرى يُدّعى أنّ الإجماع لا يدلّ مباشرةً على الحكم الشرعي ، وإنّما يكشف عن وجود دليل معتبر عليه ، ومن ثمّ يكون دليلاً في طول السنّة لأنّه يكشف عنها . من هنا عنْوَن الأعلام هذه المسألة بأنّ الإجماع أصل أم حكاية عن أصل آخر ؟ وقد مال أتباع مدرسة الخلفاء إلى الأوّل ، فيما ذهب أعلام مدرسة