ترخيصيّ في موردها ، كأصالة الإباحة والبراءة . وأمّا التكليف المنكشف بالقطع فلا يمكن ورود المؤمّن من المولى بالترخيص الجادّ في مخالفته ؛ لأنّ هذا الترخيص إمّا حكم واقعيّ حقيقيّ ، وإمّا حكم ظاهريّ طريقيّ ، وكلاهما مستحيل . والوجه في استحالة الأوّل : أنّه يلزم اجتماع حكمين واقعيين حقيقيين متنافيين في حالة كون التكليف المقطوع ثابتاً في الواقع ، ويلزم اجتماعهما على أيّ حال في نظر القاطع ، لأنّه يرى مقطوعه ثابتاً دائماً ، فكيف يصدّق بذلك ؟ والوجه في استحالة الثاني : أنّ الحكم الظاهري ما يؤخذ في موضوعه الشكّ ، ولا شكّ مع القطع ، فلا مجال لجعل الحكم الظاهري » [1] وقد تقدّم تفصيل ذلك في مباحث القطع حيث ثبت أنّ هذه المسألة مرتبطة بحقيقة الأحكام العقلية وكونها تنجيزية أم تعليقية ؟ وتقرّر آنذاك أنّه لا برهان على التنجيزية كما لا برهان على التعليقية ، وغاية ما يمكن الاستناد إليه هو الوجدان . وكيف كان فالحجّية تكون مجعولة للظنّ على مبنى المشهور ، أمّا على مبنى السيد الشهيد قدّس سرّه فإنّها تكون ثابتة له على حدّ ثبوتها للقطع مع بعض الفوارق التي أشرنا إليها ، وسوف تظهر ثمرة هذا الاختلاف في مسألة تأسيس الأصل عند الشكّ في الحجية .
[1] دروس في علم الأصول ، آية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر ، مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين ، قم المشرّفة ، الطبعة الثانية ، 1420 ه ، ج 3 ص 40 .