في هذا المقام - إلى فهم الصحابة وتلامذتهم من التابعين حتّى إلى بيان النبيّ صلى الله عليه وآله ؛ فإنّ ما بيّنه إمّا أن يكون معنى يوافق ظاهر الكلام ، فهو ممّا يؤدّي إليه اللفظ ولو بعد التدبّر والتأمّل والبحث ، وإمّا أن يكون معنى لا يوافق الظاهر ولا أنّ الكلام يؤدّي إليه ، فهو ممّا لا يلائم التحدّي ولا تتمّ به الحجّة ، وهو ظاهر . نعم تفاصيل الأحكام ممّا لا سبيل إلى تلقّيه من غير بيان النبيّ صلى الله عليه وآله كما أرجعها القرآن إليه في قوله تعالى : ( مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِه فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) [1] . ومن هنا يظهر أنّ شأن النبيّ صلى الله عليه وآله في هذا المقام هو التعليم فحسب . والتعليم إنّما هو هداية المعلّم الخبير ذهنَ المتعلِّم وإرشاده إلى ما يصعب عليه العلم به والحصول عليه ، لا ما يمتنع فهمه من غير تعليم ، فإنّما التعليم تسهيل للطريق وتقريب للمقصد ، لا إيجاد للطريق وخلق للمقصد . والمعلّم في تعليمه إنّما يروم ترتيب المطالب العلمية ونضدها على نحو يستسهله ذهن المتعلِّم ويأنس به ، فلا يقع في جهد الترتيب وكدّ التنظيم ، فيتلف العمر وموهبة القوّة أو يشرف على الغلط في المعرفة . وهذا هو الذي يدلّ عليه أمثال قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ) [2] ، وقوله تعالى : ( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) [3] . فالنبيّ صلى الله عليه وآله إنّما يعلِّم الناس ويبيِّن لهم ما يدلّ عليه القرآن