انعقاد بناء العقلاء على العمل بالظواهر ولو لم يكونوا مقصودين بالإفهام . وقرّب ذلك بوجهين : الوجه الأوّل : « إنّ المقصود بالإفهام لا منشأ لاحتمال إرادة خلاف الظاهر بالنسبة إليه إلاّ اختفاء القرينة عليه ، وهو منفيّ بأصل عدم القرينة ؛ إذ لو لم تكن هناك قرينة ومع ذلك أُريد خلاف الظاهر في حقّه كان خلف كونه مقصوداً بالإفهام ، وأمّا غير المقصود بالإفهام فيحتمل إرادة خلاف الظاهر من غير ناحية الاختفاء عليه ؛ وذلك لأنّه يحتمل أن يكون هناك تواطؤ خاصّ أو اصطلاح أو إشارة معيّنة بين المتكلِّم وبين من قصد إفهامه يكون قرينة عنده لا يفهمها غيره لعدم كونه مقصوداً بالإفهام ، فليس منشأ احتمال إرادة خلاف الظاهر في حقّه منحصراً في احتمال الغفلة عن القرينة » [1] . فإن قيل : مع إرادة المولى بيان مرامه بشخص كلامه واحتماله أنّ غير المقصود بالإفهام قد تضيع عليه بعض القرائن المكتنفة للكلام ، كان عليه أن ينبّه غير المقصود بالإفهام بذلك . قلنا : إنّ غير المقصود بالإفهام ليس معنيّاً بكلام المولى من أوّل الأمر ، إذ لم يكن المولى متوجّهاً بالخطاب إليه ولا قاصداً إفهامه أصلاً ، لأنّ بيان القرائن والتنبيه عليها فرع قصد الإفهام ، وغير المقصود بالإفهام خارج موضوعاً عن ذلك كما لا يخفى . الوجه الثاني : إنّ المولى المتكلّم تارة لا يعتمد على القرائن المنفصلة في بيان مراده ، بل جرت عادته على بيان تمام مراده بشخص كلامه ، وفي هذه الحالة يكون احتمال القرينة المنفصلة ضعيفاً جدّاً .