الجعل الشرعي وعدم وقوعه ، بل في أمانه وعدمه ، فقد يقال أنّ جعل الحجّية للظنّ مستحيل عقلاً . وفي هذا الأمر يقع السؤال حول منشأ الاستحالة المذكورة لجعل الحجّية للظنّ ؛ إذ قد تنشأ الاستحالة من جهتين : الأولى : كون ذلك يتنافى مع الحكم العقلي بقبح العقاب بلا بيان ؛ حسب ما ذهب إليه المشهور من عدم منجّزية الظنّ عقلاً . الثانية : منافاة الحكم المجعول للظنّ مع الحكم الواقعي المشكوك . وتستند هذه الجهة من البحث في أصلها إلى الشبهات التي أثارها ابن قبّة في المقام . والبحث في هذه المسألة يقع في مقامين : الأوّل : البحث المرتبط بالشبهات الناشئة من مدركات العقل النظري من قبيل اجتماع المثلين أو الضدّين . الثاني : البحث المرتبط بالشبهات الناشئة من مدركات العقل العملي من قبيل تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة . ثمّ إنّ البحث في هذه الجهة هو ما يصطلح عليه أُصولياً بمسألة الجمع بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري ، والتي سيأتي بيانها في اللاحق من فقرات هذا البحث . تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ البحث في الأمر الثاني ليس مختصّاً بباب الأمارات المعتبرة شرعاً بل يشمل باب الأصول العملية ؛ ضرورة أنّ البحث في الأصول العملية إنّما ينطلق بعد التسليم بإمكان جعل الحجّية للشكّ أو عدم إمكانها ؛ لأنّ جعل الحجّية للأصل العملي في مورد الشكّ قد يتنافى مع حم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، وقد يتنافى مع الحكم الواقعي المشكوك .