تمهيد لا ريب في أنّ مسألة حجّية الظواهر هي التي ينبغي أن تتصدّر مباحث الظنون الخاصّة أو الأمارات المعتبرة شرعاً وليس مسألة « السيرة » . إذن فلماذا البحث عن السيرة أوّلاً في المقام ؟ خصوصاً وأنّ السيرة ليست من الأمارات التي يكون مفادها الظنّ المعتبر بل هي المستند في اعتبار حجّية الظنّ ؟ ومن ثمّ ينبغي بيان السبب الذي أدّى إلى أن تتصدّر هذه المسألة مسائل الظنون الخاصّة مع أنّها ليست منها . ولبيان ذلك نقول : لا يخفى أنّ حجّية الظواهر وخبر الثقة من أهمّ الأمارات المعتبرة شرعاً ، بل هما الأساس الذي تتّكئ عليه مسائل الفقه برمّتها ، وأنّ الدليل المهمّ الذي تستند إليه حجّية هاتين الأمارتين هي السيرة العقلائية - كما سيأتي مفصّلاً - . ومن هنا يحتّم علينا السير المنهجي في هذا البحث أن ننقّح أوّلاً مسألة حجّية السيرة العقلائية وبيان النكات العلمية التي تستند إليها دليليّة هذه السيرة . بعبارة أخرى : إنّ السيرة تمثِّل أحد العناصر المشتركة في الاستدلال على حجّية الأمارات المعتبرة شرعاً كحجّية الظواهر وأخبار الثقات ، ومن ثم لا بدّ أن تبحث بشكل مستقلّ . هذا مضافاً إلى أنّ الاستدلال بالسيرة لم يكن مقتصراً على المسائل الأصولية بل تعدّى إلى المسائل الفقهية ليشغل مساحة واسعة من أبحاث