دفع محذور نقض الغرض في الجعل أسلفنا أنّ قاعدة الاشتراك تقتضي أن يكون الجعل الواقعي مطلقاً شاملاً للعالم والجاهل ، فلو جعل المولى للمكلّف في حال الشكّ جعلاً آخر مخالفاً للواقع فإنّه يكون قد نقض غرضه في جعله . الجواب عن هذا المحذور يقتضي الدخول في بحث آخر ، هو أنّ الحكم الواقعي ذو مراتب متعدّدة ، فهناك مرتبة الملاك ، والحبّ والبغض ، ومرتبة الجعل والحكم . والسؤال المطروح هنا : للحكم في مرتبة الجعل مدلول واحد أم مدلولان ؟ الصحيح أنّه ذو مدلولين ، أحدهما هو الكاشفية عن وجود المبادئ والملاكات ، والآخر هو الباعثية والمحرّكية للمكلّف . في ضوء ذلك يستحكم محذور نقض الغرض ؛ لأنّ جعل الحكم الظاهري على الخلاف يناقض المدلول الثاني للجعل الواقعي ، أعني الباعثية والمحرّكية . والجواب عن ذلك بالنقض والحلّ : أمّا النقض : ففي فرض عدم وصول المكلّف للعلم بالحكم الواقعي بعد الفحص والتدقيق سيكون حاله مورداً لجريان قبح العقاب بلا بيان على القول بها ، ومع جريان البراءة العقلية نسأل : هل الحكم الواقعي يبقى موجوداً مع باعثيّته ومحرّكيته ؟ وعلى النفي يلزم التصويب ، مع أنّ الأعلام ملتزمون بقاعدة الاشتراك بالرغم من قولهم بالبراءة العقلية في هذا المورد ، وهو يكشف لنا أنّ المحرّكية الموجودة في الأحكام الواقعية هي نحو محرّكية تجتمع حتّى مع قيام الأصل العقلي المؤمّن على