إذ أن قاعدة الاستصحاب في الحقيقة مضمونها حكم عام وأصل عملي يرجع إليها المكلف عند الشك والحيرة ببقاء ما كان . ولا يفرق في ذلك بين أن يكون الدليل عليها الأخبار أو غيرها من الأدلة ، كبناء العقلاء ، وحكم العقل ، والإجماع . ولكن الشيخ الأنصاري - أعلى الله مقامه - فرق في الاستصحاب بين أن يكون مبناه الأخبار فيكون أصلا ، وبين أن يكون مبناه حكم العقل فيكون أمارة . قال ما نصه : إن عد الاستصحاب من الأحكام الظاهرية الثابتة للشئ بوصف كونه مشكوك الحكم نظير أصل البراءة وقاعدة الاشتغال مبني على استفادته من الأخبار . وأما بناء على كونه من أحكام العقل فهو دليل ظني اجتهادي ، نظير القياس والاستقراء على القول بهما ( 1 ) . أقول : وكأن من تأخر عنه أخذ هذا الرأي إرسال المسلمات . والذي يظهر من القدماء : أنه معدود عندهم من الأمارات - كالقياس - إذ لا مستند لهم عليه إلا حكم العقل . غير أن الذي يبدو لي أن الاستصحاب حتى على القول بأن مستنده حكم العقل لا يخرج عن كونه قاعدة عملية ليس مضمونها إلا حكما ظاهريا مجعولا للشاك . وأما الظن ببقاء المتيقن - على تقدير حكم العقل وعلى تقدير حجية مثل هذا الظن - لا يكون إلا مستندا للقاعدة ودليلا عليها ، وشأنه في ذلك شأن الأخبار وبناء العقلاء ، لا أن الظن هو نفس القاعدة حتى تكون أمارة ، لأن هذا الظن نستنتج منه أن الشارع جعل هذه القاعدة الاستصحابية لأجل العمل بها عند الشك والحيرة .