وثالثا : لو سلمنا أن التخلص واجب نفسي وأنه نفس الكون خارج الدار فتكون الحركات الخروجية مقدمة له وأن مقدمة الواجب واجبة ، لو سلمنا كل ذلك ، فإن مقدمة الواجب إنما تكون واجبة حيث لا مانع من ذلك ، كما لو كانت محرمة في نفسها - كركوب المركب الحرام في طريق الحج - فإنه لا يقع على صفة الوجوب وإن توصل به إلى الواجب . وهنا الحركات الخروجية تقع على صفة الحرمة - كما قدمنا - باعتبار أنها من أفراد الحرام وهو التصرف بالمغصوب ، فلا تقع على صفة الوجوب من باب المقدمة . فإن قلت : إن المقدمة المحرمة إنما لا تقع على صفة الوجوب حيث لا تكون منحصرة ، وأما مع انحصار التوصل بها إلى الواجب ، فإنه يقع التزاحم بين حرمتها ووجوب ذيها ، لأن الأمر يدور حينئذ بين امتثال الوجوب وبين امتثال الحرمة ، فلو كان الوجوب أهم قدم على حرمة المقدمة فتسقط حرمتها . وهنا الأمر كذلك ، فإن المقدمة منحصرة ، والواجب - وهو ترك الغصب الزائد - أهم . قلت : هذا صحيح لو كان الدوران لم يقع بسوء اختيار المكلف ، فإنه حينئذ يكون الدوران في مقام التشريع . وأما لو كان الدوران واقعا بسوء اختيار المكلف - كما هو مفروض في المقام - فإن المولى في مقام التشريع قد استوفى غرضه من أول الأمر بالنهي عن الغصب مطلقا ولا دوران فيه حتى يقال : يقبح من المولى تفويت غرضه الأهم . وإنما الدوران وقع في مقام استيفاء الغرض استيفاء خارجيا بسبب سوء اختيار المكلف بعد فرض أن المولى من أول الأمر - قبل أن يدخل المكلف في المحل المغصوب - قد استوفى كل غرضه في مقام التشريع إذ نهى عن كل تصرف بالمغصوب .