ولكن إجراء أحكام التزاحم بينهما بناء على الجواز إنما يلزم إذا كان القائل بالجواز إنما يقول بالجواز في مقام الجعل والإنشاء دون مقام الامتثال ، بل يمتنع الاجتماع في مقام الامتثال ، وحينئذ لا محالة يقع التزاحم بين الأمر والنهي . أما إذا قلنا بالجواز في مقام الامتثال أيضا - كما أوضحناه - فلا موجب للتزاحم بين الحكمين مع وجود المندوحة ، بل يكون مطيعا عاصيا في فعل واحد ، كالاجتماع الموردي بلا فرق ، إذ لا دوران حينئذ بين امتثال الأمر وامتثال النهي . اجتماع الأمر والنهي مع عدم المندوحة [ أي مع الاضطرار ] ( 1 ) تقدم الكلام كله في اجتماع الأمر والنهي فيما إذا كانت هناك مندوحة من الجمع بين المأمور به والمنهي عنه ، وقد جمع المكلف بينهما في فعل واحد بسوء اختياره . ويلحق به ما كان الجمع بينهما عن غفلة أو جهل . وقد ذهبنا إلى جواز الاجتماع في مقامي الجعل والامتثال . وبقي الكلام في اجتماعهما مع عدم المندوحة ، وذلك بأن يكون المكلف مضطرا إلى هذا الجمع بينهما . والاضطرار على نحوين : الأول : أن يكون بدون سبق اختيار للمكلف في الجمع ، كمن اضطر لإنقاذ غريق إلى التصرف في أرض مغصوبة ، فيكون تصرفه في الأرض واجبا من جهة إنقاذ الغريق وحراما من جهة التصرف في المغصوب . فإنه في هذا الفرض لابد أن يقع التزاحم بين الواجب والحرام في مقام الامتثال ، إذ لا مندوحة للمكلف حسب الفرض ، فلابد في مقام إطاعة الأمر بإنقاذ الغريق من الجمع ، لانحصار امتثال الواجب في هذا الفرد المحرم ، فيدور الأمر بين أن يعصي الأمر أو يعصي النهي .