قوله بالتحسين والتقبيح العقليين ، وكأ أنه ظن أن كل ما أدركه العقل من المصالح والمفاسد - ولو بطريق نظري أو من غير سبب عام من الأسباب المتقدم ذكرها - يدخل في مسألة التحسين والتقبيح ، وأن القائل بالملازمة يقول بالملازمة أيضا في مثل ذلك . ولكن نحن قلنا : إن قضايا التحسين والتقبيح هي القضايا التي تطابقت عليها آراء العقلاء كافة بما هم عقلاء وهي بادي رأي الجميع ، وفي مثلها نقول بالملازمة لا مطلقا ، فليس كل ما أدركه العقل من أي سبب كان ولو لم تتطابق عليه الآراء أو تطابقت ولكن لا بما هم عقلاء يدخل في هذه المسألة . وقد ذكرنا نحن سابقا : أن ما يدركه العقل من الحسن والقبح بسبب العادة أو الانفعال ونحوهما وما يدركه لامن سبب عام للجميع لا يدخل في موضوع مسألتنا . ونزيد هذا بيانا وتوضيحا هنا ، فنقول : إن مصالح الأحكام الشرعية المولوية التي هي نفسها ملاكات أحكام الشارع لا تندرج تحت ضابط نحن ندركه بعقولنا ، إذ لا يجب فيها أن تكون هي بعينها المصالح العمومية المبني عليها حفظ النظام العام وإبقاء النوع التي هي - أعني هذه المصالح العمومية - مناطات الأحكام العقلية في مسألة التحسين والتقبيح العقليين . وعلى هذا ، فلا سبيل للعقل بما هو عقل إلى إدراك جميع ملاكات الأحكام الشرعية . فإذا أدرك العقل المصلحة في شئ أو المفسدة في آخر ولم يكن إدراكه مستندا إلى إدراك المصلحة أو المفسدة العامتين اللتين يتساوى في إدراكهما جميع العقلاء ، فإنه - أعني العقل - لا سبيل له إلى الحكم بأن هذا المدرك يجب أن يحكم به الشارع على طبق حكم العقل ، إذ يحتمل أن هناك ما هو مناط لحكم الشارع غير ما أدركه العقل ، أو أن