الفرض . وبعد ثبوت ذلك ينبغي أن نبحث هنا عن مسألة أخرى : وهي أنه لو ورد من الشارع أمر في مورد حكم العقل كقوله تعالى : * ( أطيعوا الله والرسول ) * ( 1 ) فهذا الأمر من الشارع هل هو أمر مولوي ، أي أنه أمر منه بما هو مولى . أو أنه أمر إرشادي ، أي أنه أمر لأجل الإرشاد إلى ما حكم به العقل ، أي أنه أمر منه بما هو عاقل ؟ وبعبارة أخرى : أن النزاع هنا في أن مثل هذا الأمر من الشارع هل هو أمر تأسيسي ، وهذا معنى أنه مولوي . أو أنه أمر تأكيدي ، وهو معنى أنه إرشادي ؟ لقد وقع الخلاف في ذلك . والحق أنه للإرشاد حيث يفرض أن حكم العقل هذا كاف لدعوة المكلف إلى الفعل الحسن وانقداح ( 2 ) إرادته للقيام به ، فلا حاجة إلى جعل الداعي من قبل المولى ثانيا ، بل يكون عبثا ولغوا ، بل هو مستحيل ، لأ أنه يكون من باب تحصيل الحاصل . وعليه ، فكل ما يرد في لسان الشرع من الأوامر في موارد المستقلات العقلية لابد أن يكون تأكيدا لحكم العقل ، لا تأسيسا . نعم ، لو قلنا بأن ما تطابقت عليه آراء العقلاء هو استحقاق المدح والذم فقط على وجه لا يلزم منه استحقاق الثواب والعقاب من قبل المولى ، أو إنه يلزم منه ذلك بل هو عينه ( 3 ) ولكن لا يدرك ذلك كل أحد ، فيمكن ألا يكون نفس إدراك استحقاق المدح والذم كافيا لدعوة كل أحد
( 1 ) آل عمران : 32 . ( 2 ) في ط 2 : اندفاع . ( * ) الحق كما - صرح بذلك كثير من العلماء المحققين - أن معنى استحقاق المدح ليس إلا استحقاق الثواب ، ومعنى استحقاق الذم ليس إلا استحقاق العقاب ، بمعنى أن المراد من المدح ما يعم الثواب لأن المراد بالمدح المجازاة بالخير ، والمراد من الذم ما يعم العقاب لأن المراد به المكافاة بالشر ، ولذا قالوا : إن مدح الشارع ثوابه وذمه عقابه ، وأرادوا به هذا المعنى .