ثالثا : أنهما يطلقان ويراد بهما المدح والذم ، ويقعان وصفا بهذا المعنى للأفعال الاختيارية فقط . ومعنى ذلك : أن الحسن ما استحق فاعله عليه المدح والثواب عند العقلاء كافة ، والقبيح ما استحق عليه فاعله الذم والعقاب عندهم كافة . وبعبارة أخرى أن الحسن ما ينبغي فعله عند العقلاء ، أي أن العقل عند الكل يدرك أنه ينبغي فعله ، والقبيح ما ينبغي تركه عندهم ، أي أن العقل عند الكل يدرك أنه لا ينبغي فعله أو ينبغي تركه . وهذا الإدراك للعقل هو معنى حكمه بالحسن والقبح ، وسيأتي توضيح هذه النقطة ، فإنها مهمة جدا في الباب . وهذا المعنى الثالث هو موضوع النزاع ، فالأشاعرة أنكروا أن يكون للعقل إدراك ذلك من دون الشرع ، وخالفتهم العدلية فأعطوا للعقل هذا الحق من الإدراك . تنبيه : ومما يجب أن يعلم هنا أن الفعل الواحد قد يكون حسنا أو قبيحا بجميع المعاني الثلاثة ، كالتعلم والحلم والإحسان ، فإنها كمال للنفس ، وملائمة لها باعتبار مالها من نفع ومصلحة ، ومما ينبغي أن يفعلها الإنسان عند العقلاء . وقد يكون الفعل حسنا بأحد المعاني ، قبيحا أوليس بحسن بالمعنى الآخر ، كالغناء - مثلا - فإنه حسن بمعنى الملائمة للنفس ، ولذا يقولون عنه : إنه غذاء للروح ( 1 ) وليس حسنا بالمعنى الأول أو الثالث ، فإنه لا يدخل عند العقلاء بما هم عقلاء فيما ينبغي أن يفعل ، وليس كمالا للنفس وإن كان هو كمالا للصوت بما هو صوت ، فيدخل في المعنى الأول للحسن