المبحث الأول التحسين والتقبيح العقليان اختلف الناس في حسن الأفعال وقبحها هل انهما عقليان أو شرعيان ؟ بمعنى أن الحاكم بهما العقل أو الشرع . فقال الأشاعرة : لا حكم للعقل في حسن الأفعال وقبحها ، وليس الحسن والقبح عائدا إلى أمر حقيقي حاصل فعلا قبل ورود بيان الشارع ، بل إن ما حسنه الشارع فهو حسن وما قبحه الشارع فهو قبيح . فلو عكس الشارع القضية فحسن ما قبحه وقبح ما حسنه لم يكن ممتنعا وانقلب الأمر فصار القبيح حسنا والحسن قبيحا ، ومثلوا لذلك بالنسخ من الحرمة إلى الوجوب ومن الوجوب إلى الحرمة ( 1 ) . وقالت العدلية : إن للأفعال قيما ذاتية عند العقل مع قطع النظر عن حكم الشارع ، فمنها ما هو حسن في نفسه ، ومنها ما هو قبيح في نفسه ، ومنها ما ليس له هذان الوصفان . والشارع لا يأمر إلا بما هو حسن ولا ينهى إلا عما هو قبيح ، فالصدق في نفسه حسن ولحسنه أمر الله تعالى به ، لا أنه أمر الله تعالى به فصار حسنا ، والكذب في نفسه قبيح ولذلك نهى الله تعالى عنه ، لا أنه نهى عنه فصار قبيحا .