وبتعبير آخر نقول : إن الأحكام العقلية على قسمين : مستقلات وغير مستقلات . وهذه التعبيرات كثيرا ما تجري على ألسنة الأصوليين ويقصدون بها المعنى الذي سنوضحه . وإن كان قد يقولون : " إن هذا ما يستقل به العقل " ولا يقصدون هذا المعنى ، بل يقصدون به معنى آخر ، وهو ما يحكم به العقل بالبداهة وإن كان ليس من المستقلات العقلية بالمعنى الآتي . وعلى كل حال ، فإن هذا التقسيم يحتاج إلى شئ من التوضيح ، فنقول : إن العلم بالحكم الشرعي كسائر العلوم لابد له من علة ، لاستحالة وجود الممكن بلا علة . وعلة العلم التصديقي لابد أن تكون من أحد أنواع الحجة الثلاثة : القياس ، أو الاستقراء ، أو التمثيل . وليس الاستقراء مما يثبت به الحكم الشرعي وهو واضح . والتمثيل ليس بحجة عندنا ، لأ أنه هو القياس المصطلح عليه عند الأصوليين الذي هو ليس من مذهبنا . فيتعين أن تكون العلة للعلم بالحكم الشرعي هي خصوص القياس باصطلاح المناطقة ، وإذا كان كذلك فإن كل قياس لابد أن يتألف من مقدمتين سواء كان استثنائيا أو اقترانيا . وهاتان المقدمتان قد تكونان معا غير عقليتين ، فالدليل الذي يتألف منهما يسمى " دليلا شرعيا " في قبال الدليل العقلي . ولا كلام لنا في هذا القسم هنا . وقد تكون كل منهما أو إحداهما عقلية ، أي مما يحكم العقل به من غير اعتماد على حكم شرعي ، فإن الدليل الذي يتألف منهما يسمى " عقليا " وهو على قسمين : 1 - أن تكون المقدمتان معا عقليتين كحكم العقل بحسن شئ