فالذي يذهب إلى وجوب أن يكون الخاص ناسخا فهو ناظر إلى أن العام لما ورد وحل وقت العمل به بحسب الفرض ، فتأخير الخاص عن وقت العمل لو كان مخصصا ومبينا لعموم العام يكون من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو قبيح من الحكيم ، لأن فيه إضاعة للأحكام ولمصالح العباد بلا مبرر . فوجب أن يكون ناسخا للعام ، والعام باق على عمومه يجب العمل به إلى حين ورود الخاص ، فيجب العمل ثانيا على طبق الخاص . وأما من ذهب إلى جواز كونه مخصصا ، فلعله ناظر إلى أن العام يجوز أن يكون واردا لبيان حكم ظاهري صوري لمصلحة اقتضت كتمان الحكم الواقعي ، ولو مصلحة التقية ، أو مصلحة التدرج في بيان الأحكام ، كما هو المعلوم من طريقة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بيان أحكام الشريعة ، مع أن الحكم الواقعي - التابع للمصالح الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينها الأولية - إنما هو على طبق الخاص ، فإذا جاء الخاص يكون كاشفا عن الحكم الواقعي ، فيكون مبينا للعام ومخصصا له . وأما الحكم العام الذي ثبت أولا ظاهرا وصورة إن كان قد ارتفع وانتهى أمده ، فإنه إنما ارتفع لارتفاع موضوعه ، وليس هو من باب النسخ . وإذا جاز أن يكون العام واردا على هذا النحو من بيان الحكم ظاهرا وصورة ، فإن ثبت ذلك كان الخاص مخصصا أي كان كاشفا عن الواقع قطعا . وإن ثبت أنه في صدد بيان الحكم الواقعي التابع للمصالح الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينها الأولية ، فلا شك في أنه يتعين كون الخاص ناسخا له . وأما لو دار الأمر بينهما إذ لم يقم دليل على تعيين أحدهما ، فأيهما أرجح في الحمل ؟ فنقول : الأقرب إلى الصواب هو الحمل على التخصيص .