وكون الإختلاف مانعا من دخول أهل الذمة إلى الإسلام هو الآخر لا يخلو من غرابة ، فإن هؤلاء إن كانوا على درجة من الثقافة عرفوا أن هذا المقدار من الإختلاف مبرر في جميع الشرائع ، بل هو مما تقتضيه الطبيعة البشرية لإستحالة اتفاق الناس في فهم جميع ما يتصل بشؤون شرائعهم ، بل جميع ما يتصل بشؤونهم الحياتية وغيرها ، ومتى منع الإختلاف أحدا من الدخول في الإسلام ؟ ! وهناك أدلة أخرى له لا تستحق أن تعرض ويطال فيها الحديث وأجوبتها تعرف مما سبق أن عرضناه في مبحث القياس . فغلو الطوفي في استعمال المصالح المرسلة وتقديمها على النصوص والإجماع لا يستقيم أمره بحال . نفاة الاستصلاح وأدلتهم : أما نفاة الاستصلاح وفي مقدمتهم الشافعي فأهم ما استدلوا به : 1 - إيمانهم بكمال الشريعة واستيفائها لحاجات الناس " ولو كانت مصالح الناس تحتاج إلى أكثر مما شرعه ومما أرشد إلى الإهتداء به لبينه ولم يتركه لأنه سبحانه قال على سبيل الإستنكار : " أيحسب الإنسان أن يترك سدى " [1] . والجواب على هذا الاستدلال أن مثبتي الاستصلاح لا ينكرون وفاء الشريعة بحاجات الناس وإن أنكروا وفاء النصوص بها ، فهم يعتبرون العقول من وسائل إدراكها كالنصوص على حد سواء ، واهتداء العقول إليها إنما هو بهداية الله عز وجل لها ، فالعقول إذن كاشفة وليس بمشرعة . 2 - ما يستفاد من قول الغزالي وهو يرد على من يريد اعتبار الاستصلاح أصلا خامسا " من ظن أنه أصل خامس فقد أخطأ لأنا رددنا المصلحة إلى حفظ مقاصد الشرع ، ومقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنة والإجماع ، فكل