لأن تلك الدواوين تتواتر إلينا كما تواتر البخاري ومسلم ونحوهما " [1] . ثم أورد بعد ذلك على نفسه بقوله : " فإن قيل خلاف الأمة في مسائل الأحكام رحمة وسعة ، فلا يحويه حصرهم من جهة واحدة لئلا يضيق مجال الإتساع ، قلنا هذا الكلام ليس منصوصا عليه من جهة الشرع حتى يمتثل ، ولو كان لكان مصلحة الوفاق أرجح من مصلحة الخلاف فتقدم " . " ثم ما ذكرتموه من مصلحة الخلاف بالتوسعة على المكلفين معارض بمفسدة تعرض منه ، وهو أن الآراء إذا اختلفت وتعددت اتبع بعض رخص بعض المذاهب فأفضى إلى الإنحلال والفجور كما قال بعضهم : فاشرب ولط وازن وقامر واحتج * في كل مسألة بقول إمام يعني بذلك شرب النبيذ وعدم الحد في اللواط على رأي أبي حنيفة ، والوطأ في الدبر على ما يعزى إلى مالك ، ولعب الشطرنج على رأي الشافعي " . " وأيضا فإن بعض أهل الذمة ربما أراد الإسلام فيمنعه كثرة الخلاف وتعدد الآراء ظنا منه أنهم يخطئون ، لأن الخلاف مبعود عنه بالطبع ، ولهذا قال الله تعالى : ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها ) [2] أي يشبه بعضه بعضا ويصدق بعضه بعضا ، لا يختلف إلا بما فيه من المتشابهات وهي ترجع إلى المحكمات بطريقها ، ولو اعتمدت رعاية المصالح المستفادة من قوله ( ع ) : " لا ضرر ولا ضرار " على ما تقرر ، لاتحد طريق الحكم وانتهى الخلاف ، فلم يكن ذلك شبهة في امتناع من أراد الإسلام من أهل الذمة وغيرهم " [3] . ومع الغض عما في نصه هذا من خطابية وتطويل قد لا تكون له حاجة ،
[1] رسالة الطوفي ، ص 109 إلى ص 113 . [2] الزمر / 23 . [3] رسالة الطوفي ، ص 116 .