«وهذه الآية
تسع عشرة لفظة فيها أحد وعشرون نوعاً من البديع)([633]),
وذلك للمناسبة التامة في ابلعي وأقلعي والطباق بين الأرض
والسماء، والإشارة في وغيض الماءفإنه عبر به عن معانٍ كثيرة لأن الماء
لا يغيض حتى يقلع مطر السماء وتبلع الأرض ما يخرج منها فينقص ما على وجه الأرض،
والإرداف في واستوت والتعليل فإن غيض الماء علة للاستواء وصحة التقسيم
فإنه استوعب أقسام الماء حال نقصه والاحتراس في الدعاء لئلا يتوهم أن الغرق لعمومه
شمل من لا يستحق الهلاك فإن عدله تعالى يمنع أن يدعو على غير مستحق، وحسن النسق
وائتلاف اللفظ مع المعنى والإيجاز فإنه سبحانه قص القصة مستوعبة بأخصر عبارة،
والتسهيم لأن أول الآية يدل على آخرها، والتهذيب لأن مفرداتها موصوفة بصفات الحسن،
وحسن البيان من جهة أن السامع لا يتوقف في فهم معنى الكلام ولا يشكل عليه شيء منه،
والتمكين لأن الفاصلة مستقرة من محلها مطمئنة في مكانها، والانسجام، والاعتراض([634])،
وزاد آخرون أشياء كثيرة حفزّت أذهان المفسرين([635])
لاستجلاء ما في هذه الآية الكريمة من معانٍ تفسيرية لا يمكن أن يحتملها غير كلام
ربّ العالمين في كتابه العزيز الذي عجز عن مجاراته أفذاذ الخلق أجمعين, في آية
واحدة سلك الحق تعالى بأحسن نظام, جمَّ محاسن الكلام: مشتملة أمراً ونهياً، وإخباراً
ونداءً، ونعتاً وتسمية، وإهلاكاً وإبقاءً، وإسعاداً وإشقاءً، وقصصاً