وهذه وما
بعدها - بنظري - عمدة الأدلة على جواز إدماء الرؤوس بالسيوف، بل واستحبابه، وذلك
أن كل ما يفعله الشيعة من الضرب بسلاسل الحديد وبالقامات وغيرها هو دون الجزع
المرغّب فيه([79]).
إن الضرب
بالسيوف والقامات على الرؤوس هو مظهر من مظاهر الجزع، وليس بجزع حقيقيّ، فإن الجزع
أمر معروف في اللغة والعرف، وهو ضد الصبر، نحو أن ينتحر الرجل العاقل، أو يلقي
نفسه من شاهق، لحادثة تحدث تغلب صبره وتورده الهلاك، وأين هذا من جرح الرأس بسكين
أو سيف جرحاً خفيفاً يوجب خروج الدم، ولا يؤلم إلا بمقدار ما تؤلم الحجامة وغيرها،
مما يرتكب لأغراض عقلائية، سياسية أو طبيّة؟!.
ولا يراد
من الجزع - في الخبر السابق - البكاء، لعطفه عليه، فيه وفيما لا أحصيه عدداً من
الأخبار، وذلك آية المغايرة بينهما، ولا ما ذكرناه من بلوغ أحصيه عدداً من
الأخبار، وذلك آية المغايرة بينهما، ولا ما ذكرناه من بلوغ الحزن إلى حيث يورد
الهلاك، وإن كان هذا لو صدر من أحد في مصاب فكثيراً ما يحدث بغير اختيار، وكلما هو
دون هذه المرتبة، مما يتحمّل عادة ولا يجرّ إلى الضرر بالنفس، فهو من الجزع
المرغّب فيه.
وله مراتب.. منها: الامتناع من الطعام والشراب مع
الحاجة إليهما، كما صدر عن مسمع، وذلك للتأثّر القلبي الموجب لعدم قبول النفس
لهما، مع شدة الجوع والعطش، وما ورد في بعض أخبارنا من تحديد أشد الجزع بالصراخ
والويل والعويل، ولطم الوجه والصدور، وجزّ الشعر من النواصي، وإقامة النواحة، فهو
في غير شأن الحسين عليه السلام، لأن أعظمَ هذه المعدودات النواحةُ، وهي عليه
راجحة، بل واجبة قطعاً.
ولطم الخد،
وقد دل على جوازه وجواز شق الجيب الخبر الصحيح المروي في (التهذيب) عن خالد بن
سدير، عن الصادق عليه السلام، وفيه: