فكأنهم عليهم السلام رأوا إن تلك التذكارات
الحسينية هي التي توجب بقاء الناس على مرور الأزمان على الاعتقاد بإمامتهم ووافر
فضلهم وعصمتهم، ومظلوميتهم من الخلفاء في كلّ عصر من أعصارهم، وذلك روح التشيع([29]).
أنا لا أشد
أن تلك المجالس والمجتمعات ألبستها الأئمة الأطهار عليهم السلام - بواسع علمهم
وبُعد نظرهم للمستقبل - لباساً مذهبياً، لأنها السبب الوحيد لاجتماع كلمة الشيعة([30])،
ورسوخ عقائدهم، وبقاء ذكر الجميل بكل معانيه للأئمة فيما بينهم، وتلك نكتة مستورة
عن جميع المسلمين، حتى عن الشيعة أنفسهم، فإنهم لا يتصوّرون هذه الفائدة من عملهم،
بل قصدهم الثواب الأخروي فقط، لكن لما أن كل عمل لابد أن يظهر له - بطبيعته - أثر،
فهذه المجالس بما يحدث فيها من إظهار مظلومية آل محمد صلى الله
[29] وهذا ما يفسر لنا تكالب السلطات الظالمة على منع هذه
الشعائر، لارتباط الأمة بأهل البيت عليهم السلام والكشف عن مظلوميتهم، لذا سعت
جميع دوائر السلطتين الأموية والعباسية والمرتبطة بهما إلى إحباط محاولات التحدي
الناجمة عن ارتباط الأمة بأئمتها، وما يعمّها من الاستياء العام لتاريخ دموي جرى
على أهل البيت وأتباعهم، على أن هذا الخط المظلوم حجّر عليه إعلامياً وكتمت جميع
قنواته في التذكير بما جرى عليهم من هذه السلطات الظالمة، فكانت هذه الشعائر هي
الإعلام الحي لواقعة دموية جرت هنا أو هناك، لتذكر الأمة بمظلومية أهل البيت،
ومظلوميتها كذلك.
فالشعائر
هي القنبلة الموقوتة بوجه السلطات الظالمة في كل زمان ومكان، وغدت هذه الشعائر
كذلك المنبر الإعلامي الحر الذي يعبّر عن جميع الانتهاكات المرتكبة في حق أتباع
أهل البيت عليهم السلام، بل المحرومين في العالم.
لذا
فالشعائر عطاء من عطاءات أهل البيت عليهم السلام أغدق على شيعتهم لضمان بقائهم، بل
للحفاظ على هيبتهم وسطوتهم ضد الظالمين.
[30] فعلاً، إن من ثمرات
هذه الشعائر هو ارتباط الشيعة فيما بينهم واجتماعهم، على الرغم من تشتتهم وقهرهم،
لذا فإنك ترى في المصداق الخارجي انطباق هذا المفهوم وغيره، إذ من المعلوم أن تشتت
الشيعة في البلدان وفي كل نحاء العالم بسبب النظام الصدامي الجائر أوجد في شعائر
أهل البيت حلقة الاتصال بين الجميع، فكانت هذه المجالس تجمع شتات العراقيين
المهاجرين، وتعمل على توحيد كلمتهم، لوحدة هدفهم، وهي خدمة الإمام الحسين عليه
السلام، فكانت هذه الشعائر سبباً في إذكاء روح المعارضة ضد النظام، بل كانت سبباً
في تنظيم هذه الجماعات المتناثرة تحت مظلة المنبر الحسيني، الذي يزيد من همة الروح
الثورية والتذكير بأصلهم، والارتباط بأرض كربلاء، مهما بعدت المسافات وطال الزمن.