المسألة الخامسة: متى نشأ علم السيرة؟

أولى الاهتمامات التاريخية في القرن الأول للهجرة كانت بالسيرة النبوية، بالتاريخ القريب للأمة الناشئة. كان المجتمع يتطلع إلى محاولة (إعادة امتلاك) تلك التجربة التاريخية الفريدة، تجربة النبوة والمجتمع المثالي الأول.

كان لابد من (صورة تاريخية) تدعم فكرة الأمة والمجتمع الناشئ، ثم إنّ الفتوحات والاتصال بالأمم الأخرى، كل ذلك أبرز مشاكل جديدة رجوا حلها باستعادة تجربة الوحي والإدارة والغزوات أيام الرسول، سيرة النبي، كتبت ضمن منظور تاريخي واسع يجعلها خاتمة تجارب الأمم التي عاشت أنبياء ونبوات أو كانت لها صلة من أي نوع بفكرة التوحيد.

هذا المنظور التاريخي العالمي استمد مصادره من القرآن ومعارف العرب التقليدية وما عرفوه نتيجة معايشتهم لأهل الكتاب في الأقطار المفتوحة، وبسبب معايشتهم للشعوب غير الكتابية، تلا الاهتمام بالسيرة اهتمام مماثل بأخبار العرب في جاهليتهم فيما يسمّى بأيام العرب نتيجة الصراعات القبلية، هذا فضلاً عن (الصور التاريخية) التي بدأت تنشأ عن التاريخ السياسي للدولة الإسلامية أثناء الصراع بين السلطة الحاكمة والأحزاب السياسية الدينية التي تصدّت للسلطة الأموية وقاومتها([31]).

اهتمّ بالسيرة النبوية وبخلفيتها التاريخية أشخاص عديدون في

[30] فرحة الغري: ابن طاووس، ص186.

[31] علم التاريخ عند العرب، عبد العزيز الدوري: ص 17 ـــ 20.