ثمّ هو عليه السلام يقول قبل قتله مباشرة - وهو يقاتل
على رجليه قتالَ الفارس الشجاع يتَّقي الرمية ويفترص العورة ويشدّ على الخيل -:
«أعلى قتلي تحاثون؟ أمَا والله لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله، الله أسخط
عليكم لقتله منّي، وأيم الله إنّي لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثمّ ينتقم لي منكم
من حيث لا تشعرون، أمَا والله أن لو قد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك
دماءكم ثمّ لا يرضى لكم حتَّى يضاعف لكم العذاب الأليم»([120]).
وهكذا ضاعت الفرصة تلو الفرصة من هذه الأمّة من دون أن تستفيد منها وكان
أمر الله قدراً مقدوراً. والفرص لا تمنح للأمم مائة مرَّة، ولا عشرين مرَّة، ولا
عشر مرَّات، إنَّ الفرص التاريخية لإصلاح الأحوال والسير على نهج مستقيم لا تأتي
إلاَّ قليلاً.
وهكذا ضاعت من هذه الأمّة فرصة السير على نهج نبيّها
ثلاث مرَّات، فرصة الإمام علي، ثمّ فرصة الإمام الحسن، ثمّ كانت فرصة الإمام
الحسين هي القاصمة التي ما بعدها قاصمة، وكان لا بدَّ من انتظار طويل. وأسدل ستار
الليل في سماء هذه الأمّة وهو ليل لن يجلوه إلاَّ ظهور قائم أهل البيت عليهم
السلام، الإمام الثاني عشر محمّد المهدي المنتظر عليه السلام.
وهكذا قُدِّر لنا
أن ننتظر ذلك الانتظار الطويل وأن نعيش ذلك الصراع المرير بين قوى الحقّ والباطل
داخل هذه الأمّة، وأن نرى كلّ هذه المصاعب والويلات من سفك دماء وطاقات تهدر في
صراعات داخلية ورؤوس تطير وسجون تملأ وغزوات خارجية تترية وصليبية وأخيراً