هذه الحركة المتنامية شقّت طريقها في خضم
الأحداث والوقائع التاريخية الساخنة، وصاغت للأمة الإسلامية تاريخاً حافلاً
بالمواقف المبدئية في توجيه وقيادة الساحة - ثقافياً وسياسياً وجهادياً - وبذلك
انتشلت واقع المجتمع العراقي المسلم - آنذاك - من وحل التخبّط العشوائي، سواء
بمنهجيّة الترقيعات الفوقية والشكليّة التي تتّخذ من الإسلام شعاراً لخدمة دنيا
العروش، أو التوجيهات القوميّة التي باتتْ تنظر للشريعة الإسلامية نظرةً هامشية
تلجأ إليها وقت الحاجة والمصلحة، أو بمنهجية (العلمنة) وتجاوز شريعة الإسلام -
علناً-.
المهم كان
لعلماء المسلمين الشيعة من المجتهدين الكبار، الدور الأساس في قيادة وتوجيه الأمة
- في تلك المرحلة - على رأسهم الشيخ الآخوند الخراساني (المتوفى سنة 1329هـ-1911م)
والذي كان يتّخذ من مدينة النجف الأشرف مقرأ لزعامته الدينية والسياسية، ومنها قاد
الحركة الدستورية في إيران، واستوعب ما رافقها من تطوّرات مضادّة داخل التيار
الإسلامي الشيعي بالتحديد، وبالمستويات القيادية أيضاً، حيث برز في قمة المعارضين
لها المرجع الأعلى السيد محمد كاظم اليزدي (المتوفى سنة 1337هـ - 1919م)، وهنا
نؤكد على أن هذه الظاهرة التي تبدو غريبة بنسبة معينة، لكنها - في الوقت ذاته -
تدل بوضوح على مبدأ الحرية في وعي الأحداث السياسية وعلى الشجاعة المبدئية في
التعامل معها. هذه الحالة وفّرت مناخاً إيجابياً لنمو وتبلور الرؤى الحركية إلى
مستوى النضوج لدى العراقيين، مما أدى إلى استيعابهم مفاهيم النهوض والثورة بما
يتناسب مع ظروف تلك المرحلة.
إن هذا
الوعي المتمّيز الذي برز لدى العلماء المجاهدين، وهم في قمّة حركة المعارضة
السياسية، مكّنهم من توظيف طاقات الأمة نحو المواجهة والمقاومة والثورة ضد مشاريع
السيطرة الاستعمارية، وذلك عبر إصدار الفتاوى الجهادية، والتصدي الميداني لقيادة
الأمة. هذه الفتاوى الدينية التي هي بالإضافة إلى كونها تحمل روح الموقف المبدئي
المعارض لسياسة الاستعمار، فإنّها تكشف عن النظرة الثاقبة لدى العلماء القادة نحو
مسلسل الأحداث المتعاقبة، التي تستهدف مصير العباد والبلاد.
وبالفعل
جاءت فتوى الجهاد محققةً لطموحات الأمة الواعية، لذلك هبّ شعب العراق مستجيباً
لها، حاملاً راية الجهاد ضد الإنكليز الغزاة منذ