التأثير المهم على
مجريات تطور الوضع الحركي والسياسي في العراق. وكيف لا؟ وهو ولاية من ولايات
الدولة العثمانية، فالتطورات السياسية في العاصمة تأخذ طريقها في انعكاسات واضحة
على أوضاع الولايات. وبما أن النجف تعيش صراعاً بين مؤيدي الدستور وبين معارضيه
إثر ثورة الدستور في إيران، وقد انتصر الدستوريون وأقصي الشاه المناوئ للدستور في
تموز/ يوليو 1909م، هذه الحركة الدستورية في النجف بزعامة آية الله المرجع الشيخ
كاظم الخراساني، هي التي حسمت الموقف في إيران، ولذلك حينما تحرك الدستوريون في
تركيا، جاءهم التأييد من النجف ومن قبل الزعيم ذاته، حيث بعث برسالة مفصلة للسلطان
عبد الحميد - أواخر أيامه - يطالبه بالتفاهم مع الدستوريين، وتبعه مجموعة من
العلماء والمثقفين والتيار الاجتماعي، «وبالطبع
فإن تأييد الحركة الدستورية في الأستانة، إنما كان يستند إلى الموقف المبدئي
لعلماء النجف في معارضة الاستبداد، والدعوة لإقامة، أنظمة حكم في البلدان
الإسلامية تستند إلى الأسس الدستورية»([159]). إلا أنه حينما كشف النقاب عن سياسة
الاتحاديين المعادية للدولة العثمانية الإسلامية وللمسلمين عموماً، بدأت المقاومة
لهذا النهج الاستعماري من قِبل رواد حركة الدستور في العراق - أولاً - مـمّا عكس
آثاراً جديدة على الساحة الحركية في العراق. وسنسلط الضوء على تلك الانعكاسات في
حديثنا عن تبلور الوعي الإسلامي. ومن هنا يبدو جلياً، أن المخطط الصهيوني -
الأوروبي كان يرعى خطوات الاتحاديين بشكل دقيق داخل الأستانة وخارجها. سعياً
لتحقيق مآربه وأهدافه في الاستغلال والاستعمار للمنطقة الإسلامية. وكان من أبرز
الانعكاسات، تطور فكرة القومية العربية إلى جانب ظهور القومية التركية. وتحولها إلى
تشكيلات تنظيمية هادفة، حيث «امتازت الجمعيات
السياسية السرية التي تشكلت في كل من بيروت ودمشق والقاهرة واسطنبول خلال الفترة
1870-1908م [1288-1326هـ]، بدقة أكثر من سابقاتها في تجديد طلباتها، وتعيين
أهدافها. وبدلاً من المطالب العامة والغامضة الداعية إلى إصلاحات سياسية وإدارية
أكدت هذه الجمعيات رغبتها في الحكم الذاتي، ومن ثم الانفصال عن الدولة العثمانية»([160]). وقد انعكست آثار التحرك القومي على العراق
وغيره، إلا أن الأفكار الانفصالية لم تأخذ طريقها في الأوساط