تقع
الاقليات الدينية - غالباً - في محط نظر وتأمل، من قبل عيون المخططين لمشاريع
السيطرة، لإمكانية التحالف والاتفاق معها أكثر من غيرها. وذلك لتجاذب الحاجة
وتبادل المنفعة بين الطرفين. وفي حالة نجاح المشروع تصل درجة التحالف والالتصاق
إلى مستوى الضرورة الحياتية ذات المصيرالمشترك.
إنّ الدولة
العثمانية رسمت الخطوط الإسلامية العريضة لغرض التعامل مع تلك الاقليات المنتشرة
في الأقاليم التابعة إليها، أما المعاملة الميدانية فيحددها المنهج السياسي
للدولة، ومدى انسجام الاقليات معه. والمهم، لقد ساد في أوساطها شعور بضرورة التكتل
فيما بينها، لتبرز بصورة مقبولة للساحة الحياتية، بشكل يرضي قسطاً من طموحها - على
الأقل - فكانت تظهر بهذه الصورة من التكاتف والتكتل لتنال بعض طموحها وهي مجتمعة،
وكان لابد لها من أن تمتاز بقوة مؤثرة - أيضاً - لتضغط من خلالها لتثبيت وجودها،
ونيل مطالبها. وهذا هو السبب الذي دعاها للتفكير بالدخول في مجالات الحياة غير
السياسية. فـ«كان غير المسلمين - اليهود والآثوريون
الكلدان وغيرهم - في المدن منعزلين عن بقية المجتمع في النواحي الاجتماعية.. ولهذا
فانهم ركّزوا كل طاقاتهم في المجال الاقتصادي»([132]).
ولقد «تركزت حركة
الشراء والبيع في بغداد عام 1879م [1297هـ]، في أيدي اليهود، كما أشار إلى ذلك
تقرير للقنصلية البريطانية حول حركة التجارة في بغداد، أصبحوا في عام 1915م
[1333هـ] مسيطرين بصورة كاملة على التجارة المحلية، حيث لا يستطيع المسلمون ولا
المسيحيون منافستهم»([133]). وقبيل الحرب العالمية الأولى حيث توسعت
حركة التجارة الخارجية، كانت السيطرة التجارية لأوروبا، ولا سيما إنكلترا على مجمل
العمليات التجارية. وكان عدد التجار العراقيين، ومعظمهم من اليهود والمسيحيين،
قليلاً لم يتجاوز عدة مئات([134]).
وهذا لا يعني - أبداً - أن الدول الأوروبية بمصالحها
ومطامعها في أقاليم الدولة العثمانية - ولا سيما العراق - قد اعتبرت هذا التوجه
الاقتصادي معيقاً لطموحاتها، بل على العكس، لقد ساهمت في نمو الاقليات