الإمام الشيخ الشيرازي قائد ثورة العشرين المعروف بالزهد
والتواضع والعزوف عن الدنيا، حينما سئل عن كيفية تصور التوافق ما بين تقواه وزهده
عن الدنيا مع تصديه لقيادة الثورة، وما يتبع ذلك من مخاطر حياتية على الأمة من
إراقة الدماء وإزهاق الأرواح، وآثار اجتماعية صعبة من زيادة عدد اليتامى والأرامل،
بالإضافة إلى الانعكاسات النفسية السلبية على عموم الأمة، نتيجة تضاؤل احتمال
الانتصار العسكريللثوار.
فأدلى قائد
الثورة الإمام الشيرازي، على ضوء رواية السيد يوسف عن المرحوم والده الإمام
الحكيم، بجوابٍ مبدئي واضح عن هذا السؤال المشروع خلاصته: إن المسلمين في العراق
بل عموم الناس في المنطقة كانوا قد آنبهروا بالغرب عموماً وبالإنكليز خصوصاً لما
حقّقوا من تطورات على المستوى الصناعي والتقني والخدمي، بالإضافة إلى الانتصارات
العسكرية في المنطقة، هذا الانبهار المقترن بالإعجاب الذي قد يوصل الأمة إلى درجة
الافتتان بهم، على المستوى العقدي والأخلاقي. وقد ظهرت بوادر المشروع البريطاني في
المنطقة الذي كان يستهدف الإسلام وعقول المسلمين وأخلاقهم وعاداتهم إلى جانب خيرات
البلاد، ومن المعروف إن هذا المشروع له بريقه الإعلامي ومظاهره الجذابة،
وإمكانياته الترفيهية والمالية التي تحوم حول ضرب القيم الإسلامية وتربية الجيل
على أخلاق الأجانب وعاداتهم ودينهم، وبذلك سينهد ركن الإسلام في عقر داره -
والعياذ بالله-. وحينذاك أصبح خيار المرجع الشيرازي محصوراً باتجاه إعلان الثورة
ضد الغزاة الكفرة المحتلين، لكي ينهض المسلمون استجابة لنداء دينهم إلى ساحات
المواجهة والقتال قبل فوات الأوان. وبالتأكيد ستجري هنالك الدماء أنهاراً، والدموع
سيولاً، ويكفيها عزّةً وكرامةً أن تكشف حقيقة العدو ونواياه الفعلية، وحينذاك
ستبنى حواجز نفسية كبيرة، تعرقل مشروع المحتلين في العراق، خصوصاً باتجاه إيمان
الناس وأخلاقهم وقيمهم الإسلامية. وهذا الإنجاز يعتبر انتصاراً استراتيجياً
للمسلمين، في معركة فُرضت عليهم من قبل قوى الاستعمار والتسلط، فهم جاؤا إلى بلاد
المسلمين وهم أقوى سلاحاً وأموالاً ومكراً، من دون شك، والعلماء يعرفون بأن
الانتصار العسكري صعب المنال، ولكن هذه التضحيات الجسام ستحافظ على دين الناس
وأخلاقهم وبالنتيجة سيحصلون علىاستقلالهم.