3- تعدّ تجربة الإسلاميين في العراق من
التجارب الفريدة بأبعادها ومراحلها، وأُطر حركتها، فقد أغنت الحالة الإسلامية
العامة برؤى فكرية مبدئية، ومواقف سياسية نهضوية، وصور جهادية نادرة، أضافت إلى
حلقات التاريخ الإسلامي مسلسلاً جهادياً مليئاً بالتضحيات والمعاناة والمواقف
الصلبة. ويمكن القول بأنها كانت السبّاقة في تصدّيها لمواجهة الاحتلال الأجنبي -
آنذاك - وقد تفاعلت مع التاريخ الجهادي والبطولي للأمة الإسلامية منذ فجر الإسلام،
وبذلك أضافت للإرث الحركي والسياسي والجهادي للأمة الإسلامية عموماً وللأمة
العربية خصوصاً صوراً ناصعة وصفحات مشرقة في التاريخ الحديث، فأصبح المسلمون بهذه
التجربة يمتلكون رصيداً غنياً في طريق التحرير ونيل الاستقلال وبناءالوطن.
4- أدرك
الإنكليز أن قوة الإسلاميين الوطنيين تكمن في أمرين أساسيينهما:
الأمر
الأول: يتعلق بالقيادة المطاعة وهي تتمثل بالمرجعية الدينية الشيعية، التي تمتاز
بالمبدئية والصرامة والشجاعة في اتخاذ القرار الثوري. والأمر الثاني: يتعلق بالعمق
الشعبي الكبير المتمثل بالعشائر وأبناء المدن. فخطّط الإنكليز مع مؤيديهم المحليين
لإنزال ضربة قاصمة تحطم قوة العلماء من ناحية، وسلطة شيوخ العشائر من ناحية أخرى،
فآندفعت الحكومة المحلية لتنفيذ المخطط البريطاني بكل قوة وذلك لكون العلماء
ورؤساء العشائر وامتداداتهم يشكلون العقبة الكأداء أمام المشروع البريطاني
للاستيلاء على العراقوالمنطقة.
5- ضمن
المخطط البريطاني تمّ إقصاء الشيعة بالذات عن المناصب الإدارية داخل الحكومة منذ
تشكيلها أول مرّة. فلقد كانت السياسة البريطانية التي نفّذها (كوكس) بهذا الاتجاه.
ومما لا شك فيه إن هذه السياسة الإدارية تحمل هدفاً أساسياً واضحاً على المدى
القريب والبعيد، وهو شحن الاحتقان الطائفي بين السنة والشيعة، لخلق العداء بين
الطرفين الذي يمهّد لإثارة الفتنة داخل الأمة، وإشعال الحرب الأهلية. بينما كان من
المفروض على العراقيين المتصدين للشأن السياسي والإداري - بدءاً من السيد النقيب
الكيلاني في بداية الأمر، ومَن جاء من بعده من المسؤولين - أن يتعاملوا مع الشعب بكل
أطيافه بشكل عادل، وأن لا يزجّوا بأنفسهم في تنفيذ خطة طائفية غير حكيمة، فرضتها
السلطة الأجنبية المحتلة، التي لا تريد الخير