مع التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب
العراقي المسلم في مسيرته التحررّية. ولكن بالإضافة إلى ما تقدم، تبقى تلك الحقبة
الزمنية حيّة في وجدان الأمة، نابضة بالمعنويات والذكريات البطولية، وغنية
بالمواقف والعبر، التي لو وظّفت بشكلٍ صحيحٍ في المسيرة السياسية الحالية، لكانت
تؤتي ثمارها لصالح الأمة، أي في بناء الوطن كما يطمح الواعونوالمخلصون.
وبالعودة
إلى تلك المرحلة، وعلى المستوى السياسي والإداري، فقد تمّ ربط العراق ببريطانيا
ربطاً محكماً عبر الحكومة العراقية، تحت غطاء الاستقلال الرسمي المعلن إلا أنه في
الحقيقة كان استقلالاً اسمياً لا فعلياً([1559])،
وبالإضافة إلى ذلك تمّ تحقيق الهدف المركزي للاستعمار البريطاني في العراق، وهو
إبعاد الإسلاميين وبالذات العلماء المراجع، من التدخل في الشؤون السياسية، وبذلك
تم تحجيم الشريعة الإسلامية في زاويا العبادات وبعض الشؤون الاجتماعية كالزواج
والطلاق، منفصلة عن السياسة والإدارةللبلاد.
وقد كرّست
الحكومات العراقية المتعاقبة مبدأ فصل الدين عن السياسة. كنتيجة مستحصلة من
السياسة الاستعمارية، وشيئاً فشيئاً تعمّقت هذه الفكرة بين العراقيين، وأصبح الشعب
مزدوج الثقافة، فثقافة تغذيه من الجانب الروحي في العبادة والسلوك الاجتماعي،
يتولاها علماء الدين، وثقافة الواقع السياسي والإداري والوظيفي، تتولاها الحكومة
المرتبطة بالأجنبي. وقد ضعف دور العلماء في حياة الأمة حتى في الدور التربوي
والعبادي، نتيجة لتلك السياسة الاستعمارية وما أُشيع حول علماء الدين من دعايات
مغرضة هدفها شلّ حركتهم داخل الأمة، وقد بلغت الأزمة شدّتها حينما تجسّد ذلك
الواقع المرير في ظهور خط فكري استسلامي داخل الأمة، وبذلك تحققت أمنية الاستعمار
في محاولة تحنيط تعاليم الإسلام ضمن طقوس فارغة من الروح الحركية الفاعلة، التي
تؤدي إلى بناء الوطن والحياةالكريمة.
والأدهى من
ذلك إن الإدارة السياسية العراقية كرست هذه التوجهات البريطانية كأساليب وقائية،
خوفاً من انتشار الوعي الإسلامي العام مجدداً