ومن الضروري أن نشير هنا إلى أن هذه الطريقة
من الوعظ والإرشاد لغرض الإصلاح، طريقة مهمة، تنفع للتذكير والتنبيه والتصحيح،
إلاّ أنها بحاجة إلى الجانب العملي والميداني، وبه تستكمل شرائط النهضة، فالسؤال
المطروح هو: هل يكفي هذا الأسلوب الإرشادي من دون مشروع عملي، ضمن الظروف
الموضوعيةالمتاحة؟
في الواقع
إن هذا الأسلوب يصلح في ظل حكومة وطنية مسلمة تحتاج إلى ترميمات لنواقصها
وسلبياتها. أما حينما تكون هوية المسلمين مهددة من قبل المستعمرين في بلادهم،
فالمسألة تحتاج إلى خطة عميقة، تتظافر فيها جهود المخلصين، لتتكامل شرائط بناء
الإنسان والوطن. بدءاً من التخلص من المحتلين وانتهاءاً بإقامة حكومة العدل
والمساواة، ومروراً ببث الوعي الأصيل ولملمة طاقات الأمة، وتوحيد صفوفها. وهذه
الحالة أخذت تتبلور لدى بعض العلماء المجتهدين، وظهرت فيما بعد شيئاًفشيئاً.
فلقد أكّد الإمام المصلح الشيخ كاشف الغطاء على حثّ
المسلمين على التمسك بعقيدتهم. ووحدة صفوفهم، حيث قال: «..إن قصاراي من دعوتي هذه،
أن أستنهض همم إخواني المسلمين واستلفتْ أنظارهم واستحضرْ أفكارهم، وأستثير مدافع
غِيرتهم ونيران عزايمهم بجميع شُعبهم وعناصرهم وأسناخهم وأواصرهم راغباً بعاطفة
الإسلام إليهم ناشراً عليهم دعوته وصرخته فيهم وبغيته منهم، متوسلاً بكل وسيلة أن
يجدّوا ويجتهدوا.. في إعادة مجدهم المؤثل، والعود إلى مقامهم الأول، ولا يتسنى لهم
ذلك إلا بأن ينتبهوا من خدر الكسل إلى نشاط العمل، وينهضوا من وهدة الجهل إلى ذروة
العلم، ويمتطوا صهوة المعارف وغارب الطلب ويبذلوا النفْس والنفيس دون التفاني على
التمسك بعرى هذا الدين، ويحملوه أشد ما يكون بكلتا اليدين بل في القلوب وعلى الرأس
والعين، فإن فيه معادن البركات وينبوع الخيرات وجامع السعادات.. [حتى يقول]..
والإسلام في أشد الحاجة اليوم إلى ما كان محتاجاً إليه بالأمس، من اتحاد الكلمة
وجمع شتات عناصر الأمة والتحزب والتآلف بجامعة حكمة التوحيد المقدسة والتعاون
والتعاضد بقوة العلم وسطوة العمل..»([1543]).