وبالفعل حينما عقدت جلسة المجلس في الثاني من
حزيران 1924م، الموافق للتاسع والعشرين من شوال 1342هـ، حصلت مناقشات حادة بين
الأعضاء([1406])،
كما وانعكست في الصحافة المحلية، طيلة شهري أيار وحزيران 1924. وبالنتيجة أصبح للمعارضة
الداخلية ثلاثة آراء، الرأي الأول، ينادي بتعديل المعاهدة وعدم الاستسلام للضغوط
البريطانية. ورأي ثان ينادي بضرورة إبرامها للمحافظة على الموصل، ورأي ثالث وسطي،
ينادي بتعليق المناقشات والتصديق، لحين حلّ مشكلةالموصل.
ومع كل هذه
المناقشات الحادة أحياناً، فإنها انتهت إلى زوبعة في فنجان، حيث تم استيعابها،
واستمرت معظم الصحافة المحلية([1407])
- كما أشرنا - في اتجاه الترويج لتصديق المعاهدة خاصة في أواخر أيار وشهر حزيران.
ففي عصر يوم التاسع من حزيران، جاء دور آخر العنقود في السلة البريطانية، وهو
الاحتياطي الأخير في الجعبة البريطانية، صاحب الوجه الليّن ألا وهو الملك فيصل،
فقد قابل أعضاء المجلس التأسيسي، وأكد لهم ضرورة تصديق المعاهدة، وذلك بأسلوب
وجداني، ومـمّا قال لهم: «..أنا لا أقول لكم اقبلوا المعاهدة أو ارفضوها، وإنما
أقول آعملوا ما ترونه الأنفع لمصلحة البلاد، فإن أردتم رفضها فلا تتركوا فيصلاً
معلقاً بين السماء والأرض..»([1408]).
وفي جلسة اليوم العاشر من حزيران، فشلت الضغوط في تصديق المعاهدة، فافتقدت سلطة
الاحتلال صوابها، وغضب (دوبس) وفكر في حلّ المجلس عن طريق الملك، والمضي في
الإدارة المباشرة للعراق، من دون الحاجة إلى المجلس. إلا أن الملك ورئيس الحكومة
وأعوانهما، جمعوا ثمانية وستين نائباً في الساعة العاشرة والنصف ليلاً ووضعوهم
أمام الأمر الواقع ضمن سياسة الترغيب والترهيب([1409]).