مركزية([64]).
ولعل بساطة الحياة والتنقل في البراري، والاعتماد على الذات وعلى الأعراف السائدة
لديهم، كل ذلك كان وراء استقلال وضعهم وعدم قدرتهم على التعايش مع التطور المدني
للحكومة المركزية. هذا وقد تحدثنا عن سكان المدن ومناطقهم - آنفاً - «وأما بالنسبة
لسكان الريف فلقد كانت تشكيلاتهم الاجتماعية تختلف تبعاً لأنظمة الري والزراعة،
أما في الجنوب حيث المنطقة المأهولة بالعرب المروية بالنهر، فكانت الوحدة
الاجتماعية هيالعشيرة.
كان
الإحساس بالانتماء عشائرياً، وكانت العشائر - عادةً - تمتلك (أراضٍ) تدعى (الديرة)
وتضم أراضٍ مزروعة وغير مزروعة، بالإضافة إلى أراضٍ تغطيها المياه (الأهوار)، وكان
نظام (الديرة) يعطي القبيلة الحق في زراعة أي جزءٍ منها وفقاً لخصوبتها وريّها،
وكانت الديرة تعتبر ملكاً للعشيرة كلها، وليست ملكاً فردياً للشيخ أو العائلة التي
ينتمي إليها»([65]).
إنّ هذا
التماسك داخل العشيرة يدعمه الوعي الإسلامي ضمن الحدود الشرعية، ويستوعبه ضمن إطار
الصالح العام، ويوجهه بالمنحى الإيجابي، ليتحول الإحساس القوي بتوحيد العشيرة إلى
رافد مهم يدعم الشعور الإسلامي بتوحيد كلمة الأمة. وهذا سيفسر لنا وقوف العشائر
إلى جانب علماء الدين للدفاع عن حقوق الأمة، بل للدفاع عن الحكومة العثمانية
لكونها تحمل راية الإسلام ضد الأجانبالغزاة.
- ومن هنا - نحن نميل إلى رأي الدكتور وميض نظمي الذي
يذهب إلى أن الإحساس القوي بالوحدة داخل العشيرة أعاق بالنتيجة نمو الوعي القومي
أو الوطني([66])،
وذلك لأن الطرح القومي - تماشياً مع هذا الرأي - لا ينهض إلا على حساب تفتيت
التماسك الداخلي للعشيرة، وتصفية الإحساس بالوحدة الداخلية، هذه الحالة يتولد منها
الوعي القومي أو الوطني في الأمة!! - كمايزعم-.
والمهم أن العشائر العراقية لعبت أدواراً مهمة في أواخر
العهد
[64]
نظمي، د. وميض: الجذور السياسية والفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية
(الاستقلالية) في العراق،ص36.