جنوها (العلماء
والأفندية) في عهد الإدارة البريطانية كسلفات البذار، والسلفات المالية بفائدة
قليلة وسواها من المنافع الشخصية ويمكن إيجاز الموقف الذي كان يقفه أهل المدن
ورجال القبائل في أنه كان موقفاً يتسم بالندم، وبالتوق إلى الرجوع إلى ما كانت
عليه الأمور سابقاً. وهو موقف متقلب عميق الجذور في الذهنية العراقية [ويضيف]..
ومن جهة ثانية نستطيع القول إن العلماء كانوا يتطلعون إلى إقامة حكم ديني يكون على
رأسه نائب الإمام، المجتهد الأكبر، ولذا فإنهم يعارضون بكل ما أوتوا من قوة أي
حكومة قوية تقوم في بغداد»([1029]).
ولكن بالرغم من خطورة الموقف
السياسي اتجاه الأسلوب الجديد للسياسة البريطانية، وبالإضافة إلى إشاعة أسلوب
التسقيط لرموز المعارضة الإسلامية إثر هزيمة الثورة عسكرياً، إلا أن علماء الدين
وعموم الإسلاميين أدركوا - مبكراً - خطورة (التاكتيك) الجديد، الذي لا يحيد عن
المخطط التآمري ضد الأمة، وذلك لإجهاض الثورة تماماً، وإحباط محاولات تحقيق أهدافها
السياسية. وأرى من الضروري التعليق على حديث الأستاذ النفيسي وأمثاله في هذا
الصدد، فهو حديث تشمّ منه رائحة توجيه الاتهام لعلماء الدين ولعموم الحركيين
الإسلاميين، في إرهاب الساحة الاجتماعية وإجبارها على خوض مسيرة المقاومة
والمعارضة لأي كيان سياسي قوي يتشكل فيبغداد.
والحقيقة
أن العلماء وسائر المثقفين والحركيين الإسلاميين أبرياء تماماً من هذا الاتهام
الذي تروجه بعض الكتابات ووسائل الإعلام لأغراض معينة، فإنها لا تستهدف علماء
المسلمين فحسب، وإنما تستهدف بالدرجة الرئيسية الشريعة الإسلامية فتصفها بالإرهاب
والعنف! والحال إن الإسلام هو دين الأخوة والمحبة والتعاون والسلام. فالناس سواسية
أمام القانون و(لَا إِكْرَاهَ
فِي الدِّينِ)([1030])، يقول الإمام علي عليه السلام لواليه على
مصر - مالك الأشتر-: «..ولا تكوننّ عليهم سبُعاً ضارياً تغتنم أَكلَهم، فإنّهم
صنفان: إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.. فأعطهمْ من عفوك وصفحك مثل الذي
تُحب وترضى أنْ يعطَيك الله من عفوه وصفحه..»([1031]).
فالإرهاب إنما يتوجه لمعالجة الإرهاب فلا تستقيم الحياة ولا تسود العدالة بين
الناس إذا