الملك (السير برسي كوكس) يعلن لجميع أفراد العشائر وطوائف
العراق بأن حكومة بريطانيا العظمى انتدبته ليعود إلى العراق لتنفيذ مقاصد الحكومة
الثابتة بمساعدة رؤساء الأمة، ولتشكيل حكومة وطنية في العراق بنظارة حكومة
بريطانيا، ولقد يصعب جداً على فخامته تنفيذ منويات الحكومة البريطانية، ما دامت
بعض أقسام العشائر والطوائف في العراق تعادي الحكومة.. فإن كان هناك سوء مفهومية
يمكن إزالتها..»([1026]). ويؤكد البصير في كتابه، على أن أغلب رؤساء
العشائر بعد هذا البيان سلّموا للواقع الجديد «لا لأنه كان عظيم الأثر على عقولهم
وعواطفهم، بل لأنه لم يكن في طاقتهم أن يقفوا أياماً طويلة أخرى في وجه القوات
البريطانية التي كانت تتقاطر من الهند بعددها الكثير وعُددها الرهيبة»([1027]).
وبهذا الأسلوب الذي يعتبر بمثابة الجرعة المنشطة للخط الموالي للأطروحة البريطانية
داخل الشعب، ابتدأ حياته السياسية، كما وأن هذه السياسة «أفرزت ظاهرة اجتماعية
سياسية جديدة، استفاد منها البريطانيون كثيراً، ألا وهي ظهور الطبقة الانتهازية في
الساحة السياسية، واتبعت هذا النهج في تمشية أمورها، والبريطانيون لم يترددوا في
الاستفادة من هذه الطبقة وقد شملت شريحة من المثقفين وشريحة أخرى من العوائل
والأسر المرفهة وكبار الفلاحين.. وبات يرى هؤلاء أن لا مفر من الخضوع والاستسلام
للبريطانيين، ومن جهة ثانية فإن تحقيق مصالح هذه الطبقة يتم بالارتباط مع
البريطانيين أكثر من الارتباط بالشعب لأنهم كانوا أصلاً فئة منفصلة عن الجماهير
ولها حساباتها الخاصة»([1028]).
ويبدو أن
هذه الطبقة السياسية استفادت من حالة الإحباط العام منذ مطلع 1921 الموافق لشهر
ربيع الثاني 1339هـ، حيث أُشيعت في الأوساط الشعبية فكرة المعارضة للعلماء ومن
يتبعهم من المثقفين الإسلاميين وشيوخ العشائر وذلك بعد فشل ثورة العشرين عسكرياً،
يقول عبد الله النفيسي، في هذا المجال: لقد «اتهمت هاتان الفئتان، فئة العلماء
والأفندية، بأنهما خدعتا القبائل، وكانتا السبب في كثير من البؤس والبلاء. وفي كل
مضيف كان الناس يتناقلون إشاعات وأقاويل عن المنافع التي