الساحة.
فمع شدة التماسك بين المرجع والناس، كان للطبقة العلمائية الوسطى كالخطباء ووكلاء
المراجع وأساتذة الحوزات وطلبة العلوم الدينية، وكذلك الطبقة المثقفة من الأساتذة
والمؤلفين، الدور الأهم في استشاريات المرجع الأعلى، وإيصال المعلومات التامة عن
الساحة، وكذلك نقل توجهات المرجع والقيادة الإسلامية إلى القواعد الشعبية. وقد حصل
تعاون وثيق داخل الطبقة الوسطى بين المحورين، الديني والثقافي، يقول الوردي: «حصل
في عهد الاحتلال تعاون وثيق بين الأفندية والملائية، وكان لهذا التعاون أثره
الكبير في التقارب الطائفي الذي ظهر بوضوح في أيام الثورة.. إن الأفندية أدركوا ما
للملائية من نفوذ قوي وكلمة مسموعة في أوساط العامة..»([780]).
لذلك شخصت سلطات الاحتلال هذه الخطورة من النفوذ الكبير
لعلماء الدين منذ بداية الاحتلال، تقول (المس بيل)، في إحدى رسائلها بعد إعلان
الهدنة في تشرين الثاني 1918م، محرم 1337هـ: «لست أدري، ماذا يفكر أصدقائي
المسلمون بعد انتصارنا على الأتراك.. أما علماء الدين فلابد أنهم يشعرون بالمرارة
لما أصاب سيف الإسلام من إنكسار، ولكن الجميع يشاركون في الأمل بأننا سوف نعطيهم
الرفاه في المستقبل»([781])،
وتقول أيضاً: «إن المشكلة عندنا هي كيف نستطيع أن نتفاهم مع الشيعة. وإني لا أقصد
سكان الريف حيث أنّ صلتنا بهم جيدة، وإنما أقصد سكان العتبات المقدسة المتدينين،
وخاصة زعماء الدين، أي المجتهدين الذين بيدهم الحل والعقد»([782]).
ولابد أن نشير هنا، إلى أن البريطانيين أثاروا الحساسيات
الطائفية من جانب، والتفرقة الدينية من جانب آخر، خدمةً لأهدافهم التسلطية، يقول
الدكتور عبد المجيد كامل التكريتي: «فحسبما يبدو من التقرير الإداري عن شهر تشرين
الأول سنة 1918، أن البريطانيين كانوا ينوون تعيين قاضٍ