الإسلامي، فشارك شعب العراق بحماسته المعهودة في بناء
صرح الحضارة الإسلامية، فأقيمت على أرضه عاصمة الإسلام، وأصبحت الكوفة حاضرة
الإمام علي عاصمة الخلافة الإسلامية، مركز القرار السياسي، كما أصبحت مركز الإشعاع
الفكري والعلمي في عهده، ولعبت البصرة فيما بعد دوراً فكرياً وعلمياً بارزاً، ومن
ثم صارت بغداد عاصمة الخلافة العباسية.
وعرف
العراق، بأنه بلد العلم والمعرفة والصراعات الفكرية، إلى جانب كونه بلد الانتفاضات
والثورات. وهكذا فأنّ «للعراق دوراً
كبيراً في التاريخ الإسلامي حتى أصبح يمثل الحجم الكبير في هذا التاريخ، باعتبار
أنه البلد الذي عاشت فيه الأحداث الكثيرة، التي تركت بصماتها على كل ملامح الأوضاع
الإسلامية اللاحقة في مختلف بلاد العالم الإسلامي وفي حياة الشعوب الإسلامية، بحيث
لا تجد أي تجمع إسلامي في انتماءاته المذهبية أو في اتجاهاته الفكرية أو في خطوطه
السياسية إلا وتلاحظ وجود شيء عراقي في أي جانب من تلك الجوانب، سواءاً أكانت
فقهية أم كلامية، أم لغوية، أم سياسية، لأن العراق كان يحمل في تاريخه اتجاهات
التشيع والتسنن، وكما يلتقي الأشاعرة والمعتزلة، ويواجه الخلاف النحوي بين
الكوفيين والبصريين، ويحرك الذاكرة التاريخية الدموية في كل الخلافات الداخلية بين
المسلمين وفي الإحتلالات الخارجية المتكررة له»([4])، وكان وسط وجنوب العراق مركز الانتفاضات
والثورات المستمرة بعد عهد الخلفاء الراشدين، يقول عبد الله النفيسي: «بعد
ذلك [بعد شهادة الإمام علي عليه السلام] أصبح جنوب العراق مركز ثورة دائمة ومسرحاً
لحوادث الاضطهاد المتكررة في كلا العهدين الأموي والعباسي. كذلك أصبحت هذه المنطقة
محجّاً لجميع الحجاج من الشيعة الذين يؤمون المزارات المقدسة حيث فيها جماعة من
الأئمة، وبعد غياب الإمام الثاني عشر، وبعد أن شاع في أوساط الشيعة أمر رجعته،
أصبحت الشيعة في جنوب العراق جماعة ثورية ترفض الاعتراف بأي سلطة قائمة»([5]).
وسيأتي
توضيح هذه الأدوار للفترة المخصصة فيالبحث.
أما من
الناحية الجغرافية، فقد «أتخذ العراق شكل
حدوده الحالية إثر تشكيل
[4] فضل الله، السيد محمد
حسين، في مقدمته لكتاب (تاريخ العراق السياسي المعاصر) للأستاذ حسن شبر ج2، ص7.
[5] النفيسي، عبد الله،
دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث، ترجمة دار النهار، بيروت 1973م.
(بالمقدمة) ص11-12.