1332هـ، عندما أرسل عدد من علماء ووجهاء البصرة، برقيات الاستغاثة
إلى كبار العلماء والمجتهدين في النجف وكربلاء والكاظمية، يطلبون تعجيل حركتهم
بإثارة العشائر، ضد الجيش البريطاني الزاحف. وقد نصّت إحدى البرقيات على ما يلي:
«ثغر البصرة، الكفار محيطون به، الجميع تحت السلاح، نخشى على باقي بلاد الإسلام،
ساعدونا بأمر العشائر بالدفاع»([475]).
وكان لهذه البرقية أثر كبير في إلهاب المشاعر الإسلامية
في نفوس الناس، وخاصة لو أدركنا دقة استخدامها من قبل العلماء لهذا الغرض، فقد
تليت من على المنابر في المساجد والحسينيات، والساحات العامة في النجف وكربلاء
والكاظمية، فكانت أصداؤها تظهر عملياً على الأرض، وذلك في الانتماء السريع من قبل
الناس إلى قوافل المتطوعين للجهاد، ومن ثمّ التوجه المتفاني إلى جبهات القتال
لإنقاذ اخوتهم وبلادهم([476]).
ومما لا يخفى أن التطور الحاصل لحركة الجهاد إلى درجة
المقاومة المسلحة، كان يعود للأثر الواسع والأهم لفتوى الجهاد التي أصدرها المرجع
الأعلى الإمام محمد كاظم اليزدي، وعلاوة على فتواه، بعث نجله محمد ليمثله في قوافل
المجاهدين المتوجهة إلى الجبهات. لذلك «أتخذت حركة الجهاد، طابع النفير العام في
المدن الشيعية المقدسة، وبغداد، ومعظم مدن ومناطق العشائر في الفرات الأوسط
والجنوبي. وخلال ذلك برز عدد من كبار المجتهدين و(علماء) الدين الآخرين الذين
قاموا بأدوار قيادية بارزة في حركة الجهاد. سواء في تصدرهم الدعوة أو في إشرافهم
على تطوع، وتجنيد المجاهدين، ومن ثم مشاركتهم العملية في القتال»([477]).
ففي مدينة النجف الأشرف، برز المجتهد السيد محمد سعيد
الحبوبي في موقع قيادي مهم للحركة، حيث انطلق مع مجموعة من العلماء إلى أوساط
الناس، فتوقف قليلاً في الشامية، وغمّاس، والشنّافية، والسيد راضي، والسماوة،
والخضر، والناصرية، وبني سعد، فكان يرتقي المنبر ليخطب الجماهير، ويحثهم على
الجهاد، ويذكرهم بمعارك الإسلام والمسلمين ضد الكفر والكافرين، فاستطاع أن يجنّد
مئات المجاهدين من كل