بالرغم من
التأثير المتواضع لفتاوى الجهاد الصادرة من الآستانة على البلدان الإسلامية، إلاّ
أنه في العراق، توافقت دعوة الجهاد - هذه - مع تطلعات العلماء المجتهدين الشيعة،
التوّاقين لتطبيق فرض الجهاد كواجب شرعي مقدس، بهدف حفظ العراق - البلد المسلم -
من الاعتداءات الخارجية، وبالفعل أن «استجابة الناس للجهاد لم تكن للدعوة التي
وجهت من قبل شيخ الإسلام في اسطنبول، وإنما للفتاوى التي أصدرها العلماء في النجف
والكاظمية وكربلاء وسامراء، والتي أوجبت الجهاد على المسلمين ومقاتلة الكفار
والذين هم الإنكليز»([471]).
ولذلك كانت
عوامل نهوض حركة الجهاد في العراق تتركز حول الاستجابة لفرض الجهاد الإسلامي ضد
المحتلين الكافرين، فبعد أن صدرت دعوة الجهاد عن شيخ الإسلام - مفتي الدولة
العثمانية - في السابع من تشرين الثاني عام 1914م، 19 ذي الحجة 1332هـ، أي بعد يوم
واحد من غزو ميناء الفاو، بدء الاحتلال للعراق، حيث اعتبر الجهاد واجباً عينياً
على كافة المسلمين في أرجاء العالم. تصدّى للعمل الجهادي كبار علماء المسلمين
الشيعة بمبادرة واعية منهم بعد ما تمّ تشخيص التكليف الشرعي - حينذاك - في تطبيق
فرض الجهاد لصدّ العدوان، وهنا - وبالفعل - تبرز عظمة المجتهدين المراجع واتباعهم
الذين حملوا راية الجهاد بجدارة، وسجّلوا صفحات مشرقة في التاريخ، بالرغم ممّا
كانوا يعانونه من قساوة وشدة ونكران من قبل سياسة الدولة العثمانية على طول
تاريخها، وبالفعل لقد أسدل علماء الشيعة الستار على كل معاناتهم وآلامهم ووقفوا في
الصفوف الأولى للمقاومة، فأصدروا فتاواهم الجهادية، ودعوا إلى رصّ الصفوف، والوقوف
إلى جانب الدولة الإسلامية العثمانية لردء الاحتلال البريطاني ومقاومته. يقول عبد
الرزاق الحسني: «إن العلماء رأوا مخاطر استيلاء القوات الإنكليزية على البصرة
باعتبارها مدخلاً للسيطرة على العراق. وبما أن هذه المخاطر لا يمكن إنكارها فان
تعزيز موقف العثمانيين المسلمين أمر لا مناص منه، حسب ما تقتضيه أحكام الشريعة
الإسلامية