«كان
من الأفضل.. الوقوف على الحياد، فحتى لو انتصرت دول الوسط، ألمانيا والنمسا والمجر
وإيطاليا في بادئ الأمر، فلن تترك الدولة العثمانية هادئة بل هناك مطامع كبيرة في
الأراضي التركية.. وبخاصة النمسا والمجر وإيطاليا، وكان بإمكانها أن تقوم بإصلاحات
كثيرة من الناحية الدستورية والاجتماعية خلال الحرب، ولكن جماعة الاتحاد والترقي
كانوا في وادٍ آخر»([465]).
بينما كانت بريطانيا تسعى بشتى الطرق لابقاء الدولة العثمانية على الحياد خشية
إثارة الرأي الإسلامي العام وبذلك تنجح خطة ألمانيا في زجّ البريطانيين في مشاكل
كبيرة([466]).
«ويقال إن
ألمانيا لم تكن في بداية الحرب ترغب في دخول تركيا إلى جانبها في الحرب، إذ هي
كانت تأمل أن تنال نصراً سريعاً على الحلفاء بمفردها دون معونة أحد، ولم تحب أن
تشاركها تركيا في ثمرات النصر، ولكن ألمانيا غيّرت رأيها على أثر فشلها في معركة
المارن التي وقعت في 19 أيلول 1914م، [29 شوال 1332هـ]، فقد أرسل (غليوم) عندئذ
إلى سفيره في اسطنبول، يأمره بأن يبذل جهده لإدخال تركيا في الحرب عاجلاً»([467]).
ومما يذكر
«أن الدولة العثمانية كانت قبيل الاندلاع الحرب تحت سيطرة الاتحاديين.. فكان أنور
باشا وزير الحربية، أعظم رجال الدولة نفوذاً، وأقواهم شخصية، حتى أطلق بعض
المؤرخين عليه لقب (دكتاتور الحرب). ويليه في النفوذ طلعت باشا وزير الداخلية،
الذي صار فيما بعد رئيس الوزراء، ثم يأتي في الدرجة الثالثة جمال باشا وزير
البحرية.. أما رئيس الوزراء سعيد حليم باشا، والوزراء الآخرون فكانوا أمام هؤلاء
الثلاثة ضعافاً ليس لهم القوة والنفوذ إلاّ قليلاً، يقول القائد التركي علي قؤاد
بك، في مذكراته: كانت المملكة العثمانية في قبضة الاتحاديين، وكان الاتحاديون في
قبضة المركز العام، وكان المركز العام في قبضة الحكّام الثلاثة، وكان الثلاثة في
قبضة أنور، يسوقهم سوقاً عنيفاً، أما مقام السلطنة، والقوة التشريعية، وحزب
الاتحاد والترقي، والحكومة الرسمية،