ولطلبة العلوم
الدينية. فقد «بنى فيها مدرسة كبيرة فخمة لطلاب العلم
فيها إيوان كبير وغرف جمّة ولها ساحة واسعة، وبنى سوقاً كبيراً بمال بذله بعض
أغنياء الهند. ولم يكن في سامراء جسر، وكان الناس يعبرون على القفف من غربي دجلة
إلى الجانب الشرقي الذي فيه المدينة.. وكان أصحاب القفف يشتدون في الأجرة، ويلقى
منهم الزوار أذىً كبيراً فبنى جسراً محكماً على دجلة من السفن بالطريقة المتبعة في
العراق، تسهيلاً للعبور ورفقاً بالزوار والواردين وكانت نفقته ألف ليرة عثمانية
ذهباً. ثم سلمّه للدولة تتقاضى هي أجوره رجاءً لدوامه، وبني عدة دور للمجاورين»([295]). وكذلك بنى حماماً للرجال وحماماً للنساء، «حتى
أصبحت [سامراء] بلدة عامرة، مع العلم أنها لم تكن قبل ذلك سوى قرية صغيرة بيوتها
من طين»([296]). وبالفعل كانت تجربة رائدة في تغليب المصلحة
الإسلامية والوطنية العامة على الاتجاه الذاتي والطائفي، وسنلاحظ على هذه الأفكار
الوحدوية ومشاريع الخدمة العامة، ورعاية الناس على أسس المواطنة، بأنها ستصبح
متبنيات الإسلاميين من أجل بناء الدولةوالوطن.
الموقف
الثاني: يتجسد في الفتوى الشهيرة التي أصدرها ضد التدخل الاقتصادي في إيران من قبل
بريطانيا. ويعتبر موقفه الصارم هذا من أبرز مواقفه السياسية ضد التغلغل الأوروبي
في حياة المسلمين، وذلك في عام (1309هـ،1889م) فقد أصدر فتواه بحرمة استعمال
التبغ، فامتنع الناس عن استعماله، وأرغمت الحكومة الإيرانية على إلغاء امتياز
الاحتكار البريطاني للتبغ الإيراني، هذانصها:
«بسم الله الرحمن الرحيم، اليوم استعمال التنباك
والتتن حرام بأي نحوٍ كان، ومن استعمله كمن حارب الإمام عجّل الله فرجه»([297]).
يقول
الدكتور الوردي: «إن هذه الفتوى على اختصارها، كانت
بمثابة القنبلة من حيث تأثيرها في المجتمع الإيراني، فهي حين وصلت إلى الشيخ محمد
حسن الاشتياني بطهران، وكان كبير المجتهدين فيها أمر بأن تقرأ على الجمهور من على
المنابر، واستنسخ منها مائة ألف نسخة، فأرسلت إلى أنحاء إيران، وقد حاولت الحكومة
الإيرانية جمع النسخ من أيدي الناس، ومنع انتشارها فلم تفلح»([298]).