فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ
فَسَوْفَ تَرَانِي) ([570])، والاحتجاج به من وجهين:
الأول: إنَّ موسى عليه السلام سأل الرؤية، ولو امتنع
كونه مرئياً لـمّا سأل؛ لأنّه حينئذٍ إمّا أن يعلم امتناعه أو لا، فإَنْ علِمهُ
فالعاقل لا يطلب المحال, فإنّه عبث، وإنْ جَهِلَهُ فالجاهل بما لا يجوز على الله
تعالى ويمتنع لا يكون نبيّاً كليماً.
الثاني:
إنّه تعالى علّق الرؤية على استقرار الجبل, واستقرار الجبل أمر ممكن في نفسه، وما
عُلِّق على الممكن ممكن، إذ لو امتنع لأمكن صدق الملزوم بدون اللازم([571]). والجواب عن الأول: إنَّ موسى عليه السلام إنـّما
سألها لقومه لا لنفسه؛ لأنّه عليه السلام كان عالماً بامتناعها([572])، لكنَّ قومه اقترحوا عليه, ويدلّ على ذلك
قوله تعالى([573]): (فَقَدْ سَأَلُوا
مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) ([574]),
[571] اُنظر: شرح المواقف للجرجاني: 8/131ـ132, الموقف الخامس, المرصد
الخامس, المقصد الأول.
[572] قال الحبلرودي: ويدلّ عليه أيضاً, قوله تعالى ـ حكاية عن موسى
عليه السلام حين أخذته الرجفة ـ: أَتُهْلِكُنا
بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا سورة الأعراف 7: 155. ولو فرض وسلم أنَّ سؤاله ليس لقومه, فذلك ليس فوق
المعصية, وهم يجوزونها على الأنبياء, وعلمه بالإستحالة لا يستلزم عبثية السؤال؛
لجواز أن يكون لزيادة اليقين, كسؤال إبراهيم عن كيفيّة الأحياء. (حاشية ح).
[573] في حاشية ح: أول الآية يَسْئَلُكَ أَهْلُ
الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِـنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا
مُوسى... سورة النساء 4: 153, وذلك القول من الله تعالى
لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.