فقد ذكر علماء علم النفس والتربية الإسلامية ــ علم الأخلاق ــ (والواقع أن علم الأخلاق في الإسلام هو مجمع لأبحاث فصّلت في عصرنا هذا إلى علوم: النفس، الاجتماع، التربية، الأخلاق، ولم يتم الاستفادة ــ بتمام الاستفادة ــ من علم الأخلاق في المؤسسات التعليمية كما ينبغي.

وهذا فيه بخس لأقدار تلك الذوات الكريمة التي سجّلت أبحاثه وبخس لحظ الأمة عن أن تستفيد من هذه الكنوز بل ابتلينا بتضمين هذه العلوم لما قدّمه كتبة الغرب وهم من هم في انحراف فكرهم ومعتقداتهم وسلوكهم واعتباطية مواقفهم وآرائهم).

أقول: قد ذكر علماء الأخلاق أن مسيرة الإنسان في حياته لها تأثير كبير في مواقفه في أخريات أيامه، فإذا اختار الاستقامة فهذا كاشف عن مسيرته الحياتية، وكاشف عن نواياه ونزعاته ومراميه في مسيرته، فليس ارتجالاً أن ينتهي زهير بن القين إلى هذه النهاية السعيدة وهو العثماني في هواه، ولا أن يختار الحر ترك موقعه القيادي في جيش الدولة لينضمّ إلى جيش ليس له مصير في الدنيا إلاّ الموت المحتمّ بعد ساعات.

كل من ودّع صخب الحياة إلى الكوثر مع الحسين عليه السلام اختار سعادته بعد أن أخذ المولى سبحانه بأيديهم إلى ساحة الاختيار وهذا فيه كل الدلالة على سموّ ذواتهم ورفعة شأنهم وتميّزهم عن غيرهم؛ إذ حيل بينهم وبين أن يكونوا في الآخرة من أهل الحسرات على ما سيلحق عامة أفراد الجنس البشري من حرمان من منازل الكرامة ومراتب الشرف ومن النعم الهائلة التي لم ير مثلها ولم يسمع بل لم تخطر على قلب بشر، وذلك لما فرّطوا فيه من عمل فخسروا تلك المقامات الشامخة يوم القيامة يوم المغانم ونيل المراحم بالمكيال الأوفى.