آخر الشهداء

ما السر في بقاء العباس إلى آخر سلسلة الشهادة في كربلاء ــ أي إلى ما قبل استشهاد الإمام السبط بالطبع ــ مع فدائيته وحبه العظيم لأخيه الإمام ونكرانه لذاته، ولعل كون أبو الفضل من أواخر المستشهدين مما لا خلاف فيه بحيث يعتنى به، نعم ربما استشهد بعده أطفال أهل البيت عليهم السلام وصبيتهم عبد الله الرضيع بن الحسين عليه السلام وولدا الإمام الحسن عليهما السلام: القاسم وعبد الله.

إن شهداء الطف كان بعضهم يتقدم بعضاً في القتال لغرض كريم وسامٍ.

فالحر الرياحي تقدم الجميع؛ لأنه كان سبباً في جانب من المأساة والكارثة إذ كان قائداً لألف من جيش ابن زياد، وكانت مهمته التجول بقواته في منطقة واسعة للبحث عن قافلة الإمام كي يحجزه عن المسير أو يقدم به إلى ابن زياد في الكوفة، وقد أدى مهمته بالكامل، إذ حصر الإمام وحجزه عن الخيارات الأخرى التي كانت متاحةً له إلى أن التحقت بهم بقية جيوش ابن زياد ووردت بتمامها وأحكم الطوق على الإمام المظلوم، ثم حصل ما حصل.

وقد اعتذر الحر فيما بعد ــ عند توبته ــ للإمام عليه السلام بأنه لم يكن يتوقع أن تبلغ الأمور هذا المدى، فكان يتصور أن المسألة ستحسم سلمياً بشكل ما وينتهي الأمر فلا يصح منه الاصطدام بالدولة من أول فيتعرض لنقمتها.