مما سلف، يتبين أن علم الباري تعالى وإطلاعه
على كل الأمور، يتحقق بتسجيلها في اللوح المحفوظ([843])،
ثم يواجه بها العباد كوقائع (وهذه إشارة إلى مبدأ أن سائر كمالات الوسائط، هي فرع
من كمالات الحق تعالى)([844]).
وعلى أساس
ما قلنا، يتوضح معنى الآية (ثُمَّ
تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ([845]).
أما الأمر الثاني: فهو أن الآيات السالفة الذكر([846])،
تفيد بأن الحياة، حقيقة جارية في تمام الموجودات، لأنه بغير ذلك، لا يمكن إطلاق
اسم الشهادة
على إنطاق الأعضاء والجوارح. لأن الحديث عن شيء يعتبر شهادة فيما لو صدر عن
المتحدث بشكل حقيقي، وهذا لا يتم إلا بتمتع المتحدث بالحياة. ومن جانب آخر، فإن
الأحياء الذين يدلون يوم
[843] قال القمي في تفسير قوله تعالى: (بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ
مَحْفُوظٍ)
سورة البروج/21ــ22، اللوح المحفوظ له طرفان طرف على يمين العرش وطرف على جبهة
إسرافيل، فإذا تكلم الرب جل ذكره بالوحي ضرب اللوح جبين إسرافيل فينظر في اللوح
فيوحي بما في اللوح إلى جبرئيل عليه السلام .
تفسير القمي، القمي: 2/ 414 ــ 415، تفسير سورة البروج.
قال الجرجاني: اللوح المحفوظ: لوح القدر، أي: لوح النفس
الناطقة الكلية التي يفصل فيها كليات اللوح الأول (لوح العقل الأول) ويتعلق
بأسبابها.