responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : بحوث لفظية قرآنية نویسنده : عبد الرحمن العقيلي    جلد : 1  صفحه : 231

تأملات في سورة الروم

قال تعالى في سورة الروم:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(6) سورة الروم (1-6).

ورد في المأثور قراءات أخرى للآيات الشريفة:

قال الشيخ الطوسي: قرأ ابن عمر وأبو سعيد الخدري (غَلَبت الروم) بفتح الغين واللام([139]) وقال الزمخشري: وقرئ(سيُغلبون) بضم الغين([140]) وهي قراءة أمير المؤمنين علي عليه السلام([141]).

وروى الطبري ثلاث روايات عن أبي سعيد الخدري تفيد إصراره على قراءتها خلاف المشهور, قال الطبري([142])(فأما الذين قرأوا ذلك: غَلبت الروم بفتح الغين، فإنهم قالوا: نزلت هذه الآية خبرا من الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عن غلبة الروم. ذكر من قال ذلك:... عن أبي سعيد، قال: لما كان يوم ظهر الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت (آلم غَلبَت الروم على فارس).

..عن أبي سعيد، قال: لما كان يوم بدر، غلبت الروم على فارس، ففرح المسلمون بذلك، فأنزل الله آلم غَلبَت الروم... إلى آخر الآية.

- عن أبي سعيد، قال: لما كان يوم بدر، ظهرت الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، لأنهم أهل كتاب، فأنزل الله (آلم غَلبَت الروم في أدنى الأرض) قال: كانوا قد غُلِبوا قبل ذلك).

ونسب ابن عطية الأندلسي القراءة غير المشهورة إلى عدة صحابة،قال الأندلسي([143]) (قرأ أبو سعيد الخدري وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن قرة وعبد الله بن عمر (غَلَبَت الروم) بفتح الغين واللام، وتأويل ذلك أن الذي طرأ يوم بدر إنما كان أن الروم غَلَبت، فعز ذلك على كفار قريش وسَرّ المسلمون، فبشر الله تعالى عباده بأنهم (سيَغْلِبون) أيضا (في بضع سنين)، ذكر هذا التأويل أبو حاتم، والرواية الأولى والقراءة بضم الغين أصح واجمع الناس على سيغلبون أنه بفتح الياء يريد به الروم وروي عن ابن عمرو أنه قرأ أيضا (سيُغلبون) بضم الياء وفي هذه القراءة قلب للمعنى الذي تظاهرت الروايات به). ونقل ابن خالويه عن أمير المؤمنين عليه السلام هذه القراءة([144]).

ونقل الترمذي قول ابي سعيد الخدري([145])(لما كان يوم بدر ظهرت الروم على فارس فأعجب ذلك المؤمنين فنزلت: ألم غَلَبت الروم إلى قوله يفرح المؤمنون. ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس)..

وقرأ الإمام الباقر عليه السلام (سيُغلبون) وأرجع الضمير على الفرس([146]), ورويت هذه القراءة عن أمير المؤمنين عليه السلام([147]) وروي عنه عليه السلام قراءته (وهو من بعد غلبهم). وقال في البحار([148]) (الظاهر أنه كان في قراءتهم عليهم السلام غُلبت وسيُغلبون كلاهما على المجهول، وهي مركّبة من القراءتين ويحتمل أن يكون قراءتهم عليهم السلام على وفق الشاذة بأن تكون إضافة الغلبة إلى الضمير إضافة إلى الفاعل، وإضافة غلبهم في الآية إضافة إلى المفعول أي بعد مغلوبية فارس عن الروم سيغلبون عن المسلمين أيضاً، أو إلى الفاعل فيكون في الآية إشارة إلى غلبة فارس ومغلوبيتهم عن الروم وعن المسلمين جميعا، ولكنه يحتاج إلى تكلف.) فالظاهر أن (غلبت) و(سيغلبون) كلتاهما قد ورد فيهما قراءة مخالفة عن أهل البيت عليهم السلام.

وكذلك اختلفوا في قوله تعالى (بضع سنين) على تسعة أقوال!،قال ابن الجوزي([149]) (وفي البضع تسعة أقوال:

أحدها: ما بين السبع والتسع، روى ابن عباس أن أبا بكر لما ناحب قريشا عند نزول (آلم غلبت الروم)، قال له رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم ألا احتطت، فإن البضع ما بين السبع إلى التسع.

والثاني: اثنتا عشرة سنة، قاله الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: سبع سنين، قاله عكرمة.

والرابع: أنه ما بين الخمس إلى السبع، قاله الحسن.

والخامس: أنه ما بين الأربع إلى التسع، قاله مجاهد.

والسادس: ما بين الثلاث إلى التسع، قاله الأصمعي، والزجاج.

والسابع: أن البضع يكون بين الثلاث والتسع والعشر، قاله قتادة.

والثامن: أنه ما دون العشرة، قاله الفراء، وقال الأخفش: البضع: من واحد إلى عشرة.

والتاسع: أنه ما لم يبلغ العقد ولا نصفه، قاله أبو عبيدة. قال ابن قتيبة: يعني ما بين الواحد إلى الأربعة. وروى الأثرم عن أبي عبيدة: البضع: ما بين ثلاث وخمس).

وقد أوردوا قصة نزول الآية على القراءة المشهورة (غُلِبَت الروم)، إذ نقل بعض المحُدّثين والمفُسّرين منهم احمد بن حنبل([150]) والترمذي([151]) والعيني([152]) والنسائي([153]) والطبراني([154]) والزيلعي([155]) ومن المفسرين: مقاتل([156]) والطبري([157]) والنحاس([158]) والجصاص([159]) والسمرقندي([160]) وابن زمنين([161]) والباقلاني([162]) والواحدي([163]) والبغوي([164]) الى الكثير غيرهم, الرواية التي نقلناها عن ابن الجوزي وهي بروايته([165]) (قوله تعالى: (غُلِبَت الروم) ذكر أهل التفسير في سبب نزولها أنه كان بين فارس والروم حرب فغلبت فارس الروم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فشق ذلك عليهم، وفرح المشركون بذلك، لأن فارس لم يكن لهم كتاب وكانوا يجحدون البعث ويعبدون الأصنام، والروم أصحاب كتاب، فقال المشركون لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أمّيون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم، فإن قاتلتمونا لنظهرنَّ عليكم، فنزلت هذه الآية، فخرج بها أبو بكر الصديق إلى المشركين، فقالوا: هذا كلام صاحبك، فقال: الله أنزل هذا، فقالوا لأبي بكر: نراهنك على أن الروم لا تغلب فارس، فقال أبو بكر: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فقالوا: الوسط من ذلك ست، فوضعوا الرهان، وذلك قبل أن يحرم الرهان، فرجع أبو بكر إلى أصحابه فأخبرهم، فلاموه وقالوا: هلا أقررتها كما أقرها الله تعالى؟! لو شاء أن يقول: سِتّاً، لقالوا! فلما كانت سنة ست، لم تظهر الروم على فارس، فأخذوا الرهان، فلما كانت سنة سبع ظهرت الروم على فارس وروى ابن عباس قال: لما نزلت: (ألم. غُلِبَت الروم) ناصب أبو بكر قريشاً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا احتطت، فإن البضع ما بين السبع والتسع وذكر بعضهم أنهم ضربوا الأجل خمس سنين، وقال بعضهم: ثلاث سنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فخرج أبو بكر فقال لهم: أزايدكم في الخطر وأمد في الأجل إلى تسع سنين، ففعلوا، فقهرهم أبو بكر، وأخذ رهانهم).

وأورد الثعلبي النص أعلاه مع تغيير بأن الروم غلبت فارس سنة خمس بعد الحديبية وقال (هو قول أكثر المفسرين)([166]) وكذلك القرطبي([167]) والنص (مع شبه إجماع عليه) لا شك بأنه موضوع لأمور منها:

جاء في الرواية (فقال المشركون لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم....) متى كان ذلك والزمان الآن هو سنوات الدعوة السرّية؟!! ولم يكن هناك حوار أصلاً بين المشركين والصحابة، لكون الذين آمنوا لا يُصرّحون بكونهم كذلك للسرّية المطلقة التي تطلبتها الدعوة، وظل ذلك سائداً حتى السنة العاشرة للبعثة بينما نحن الآن (على أقل الأقوال في معنى (بضع)وهي سنتان بعد البعثة!!

وعندما نقرأ قول المشهور (وادُّعي الإجماع عليه) على أنها نزلت قبل الهجرة(وإن كان هذا النقل فيه نظر بل لا يبعد فيه التوهم) وعلى أكبر الاحتمالات لمعنى (بضع) وهي (اثنتي عشرة سنة) فتكون الواقعة في السنة الثانية للبعثة (على فرض نزول الآية في مكة, كما قيل)ولم يكن حينها من المسلمين إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة وأمير المؤمنين عليه السلام! بينما قالوا هم: (أبا بكر) فأين الأصحاب الذين قال لهم المشركون هذا الكلام؟!!

قول المشركين في الرواية (فإن قاتلتمونا لنَظْهَرَنَّ عليكم) لا يصح بتاتاً!! ومتى فكّر المسلمون أو المشركون بالحرب وهم في مكة! حتى يقولوا هذا الكلام؟! فحتى اللحظة الأخيرة قبل الهجرة كان المشركون يتآمرون لقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن يدور بخَلَدهم أن الإسلام سيكون له هذا الشأن حتى يغزوهم في عقر دارهم!.

قوله في رواية ابن عباس التي لا تختلف كثيرا عن الرواية الأولى(أزايدكم في الخطر وأمُدُّ في الأجل إلى تسع سنين، ففعلوا، فقهرهم أبو بكر، وأخذ رهانهم) وعليها نفس ما على الأولى! فإذا كان نصر الروم كما ذكرت التواريخ بعد بدر فيكون زمان هذا (الرهان) المزعوم هو في السنة السادسة من الدعوة السرية وليس هناك بعد (مشركون ومؤمنون) يتحاورون ويتجادلون فلم يكن المسلمون ليتجاوزوا الخمسين رجلاَ متخفّين بعقيدتهم لا يجاهرون بها, فكيف احتمل المشركون مقاتلتهم لهم حتى توعدوهم بالنصر إذا ما تحاربوا؟!!

ولو كان النصر للروم على فارس بعد بدر وهي رواية أبي سعيد الخدري فكيف وصل أبو بكر إلى مكة وأخذ رهانه وقد أصبحت بينهم الدماء؟! أمّا إن كان النصر بعد الحديبية فالأمر أصعب!! وحسبك من قصة عثمان بن عفان وما أشيع عن قتله عند دخوله مكة في الحديبية, علماً أن المشركين لم ينتظروا أن تصبح الدماء بينهم وبين المسلمين حتى يستلبوا أموالهم، فهم قد شرعوا في مصادرة وغصب واستلاب أموال المهاجرين فور تركهم مكة, أفيكون الرهان بمنجاة من هذه المصادرة حتى يعطوه لأبي بكر معزّزاً مكرّماً؟!.

والمعروف بين المؤرخين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد في العام 570 للميلاد وبذلك تكون بعثته في العام 610 للميلاد، وبما أن الدعوتان (السرية والعلنية) دامتا أقل من ثلاثة عشر عاماً في مكة، فتكون الهجرة في العام 623 للميلاد، ومعركة بدر تكون قد وقعت في العام 624للميلاد والآن لنعمل (فذلكة) لتاريخ فارس والروم في النزاع الذي اندلع قبيل البعثة:-

حكم كسرى الثاني (590 - 628) للميلاد، وقد غطّى زمن حكمه كل زمن الصراع مع بيزنطة وفي عهده كان (فوكاس) هو الحاكم في القسطنطينية.

بدأ النزاع في العام 602 للميلاد بعد أن ظهر للفرس الساسانيين الضعف الواضح في مفاصل الدولة البيزنطية.

انتصر الفرس الساسانيون انتصارات كاسحة بمساعدة حلفائهم من قومية السلاف في البلقان، واليهود في فلسطين, ليقوموا بعمل كمّاشة من الشرق والغرب على عاصمة البيزنطيين (القسطنطينية).

بدأت انتصارات الفرس الكبيرة في الأعوام 608م قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم و613م (العام الثالث للبعثة), واحتلالهم فلسطين عام 614م (العام الرابع للبعثة)، ومصر عام 618م (العام الثامن للبعثة) ثم* واصلوا تقدمهم إلى القسطنطينية وحاصروها لعشرين يوماً قبل أن يتراجعوا عنها. وكان الفرس يتغلغلون داخل البلاد التي يحكمها الروم بواسطة الأقليات الدينية المضطهدة، مثل اليهود في القدس، إذ انتفض اليهود بالاتفاق مع الفرس واستغلّوا حالة الضعف الشديد في النظام البيزنطي وقتلوا ما يقرب من ستين ألفا من الروم.

استمرت الحرب قائمة إلى أن حان عام 622م إذ قام هرقل حاكم قرطاجة الروماني بانقلاب في القسطنطينية، واستولى على الحكم وبدأ بتنظيم الجيش وحقق أولى انتصاراته على الفرس في العام624 م (بالتزامن مع معركة بدر)، وحقق هرقل انتصاره الحاسم في العام 627م (بالتزامن مع صلح الحديبية) في معركة نينوى التي قصمت ظهر الجيش الساساني واحتل هرقل بعدها أذربيجان ودمر معبد النار الكبير انتقاما لتدمير القدس رمز النصرانية ومحجّهم المقدّس.

من هنا يظهر إن القول بقراءتها بالمبني للمجهول (غُلبت الروم) قد يكون قد تم لأجل القصة والفضيلة التي قالوا لبعض الصحابة!! أما القراءة بالمبني للمعلوم (غَلَبت الروم) والواردة عن طريق أهل البيت، ففضلاً عن كونها ستنفي كل علاقة وفضيلة لأبي بكر (جرّاء القصة المختَلَقة), فإنها تلتئم مع ما ورد عن النصرين الكبيرين للروم بالتزامن مع بدر الكبرى وبالتزامن مع صلح الحديبية، لذا فقد ورد عن أبي الدرداء (وهو الصحابي المعروف وخصم معاوية الصلب) قوله([168]) (سيجيء قوم يقرأون: (ألم غُلِبَت الروم) وإنما هي (غَلَبَت الروم).

لذا فمن الغريب انفراد الثعلبي بفهم الآية على إحدى القراءات على خلاف ما فهمها وقرأها الباقون بقوله([169]) (قالوا: نزلت هذه الآية حين أخبر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه - وآله - وسلم عن غلبة الروم فارس، ومعنى الآية: ألم غَلَبت الروم فارس في أدنى الأرض إليكم. وقرأ سعيد بن جبير وطلحة بن مصرف في أداني الأرض بالجمع (وهم من بعد غلبهم) سيغلبهم المسلمون. (في بضع سنين) وعند انقضاء هذه المدة أخذ المسلمون في جهاد الروم).

علماً بأن بعض المحُدّثين روى نصوصا تفيد أن التابعين لم يكونوا متفقين على القراءة بالمبني للمجهول بل كانوا يتنازعون القراءة! إذ روى الحاكم النيسابوري([170]) (عن عبد الرحمن بن غنم قال سألت معاذ بن جبل عن قول الله عز وجل (ألم) غُلِبت الروم أو غَلَبت؟!).

لذا لم يقتنع احد بما أورد في كتب المفسرين فابتكروا طرقاً لحساب ذلك!! قال السيد مصطفى الخميني([171]) (مما يستأنس لذلك ما رواه العز بن عبد السلام: إن علياً - عليه أفضل الصلاة والسلام - استخرج وقعة معاوية من (حم عسق). واستخرج أبو الحكم عبد السلام بن برجان في تفسيره، فتح بيت المقدس سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة من قوله تعالى: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ. وقد ذكر الشيخ لاستخراجه طريقا آخر وهو: أن تأخذ عدد (ألم) بالجزم الصغير، فيكون ثمانية، وتجمعها إلى ثمانية البضع في الآية، فتكون ستة عشر، فتنزل الواحد الذي للألف للأس، فتبقى خمسة عشر، فتمسكها عندك، ثم ترجع إلى العمل في ذلك بالجمل الكبير، وهو الجزم، فتضرب ثمانية البضع في أحد وسبعين، واجعل ذلك كله سنين، يخرج لك في الضرب خمسمائة وثمانية وستون سنة، فتضيف إليها الخمسة عشر، فتصير ثلاثة وثمانين وخمسمائة، وهو زمان فتح البيت المقدس على قراءة غَلَبت بفتح الغين واللام وسيُغلبون بضم الياء وفتح اللام. انتهى، والله العالم بخفيات كلامه وبأسرار آياته).

وما ورد عن أهل البيت عليهم السلام يفيد أن الآية مدنية ([172]) وكذلك ورد عند أهل السنة أنها مدنية نزلت بعد بدر([173]), روى القمّي([174]) (بسم الله الرحمن الرحيم ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) فإنه حدثني أبي عن محمد بن أبي عمير عن جميل عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن قول الله ألم غلبت الروم في أدنى الأرض قال: يا أبا عبيدة ان لهذا تأويلا لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم من الأئمة عليهم السلام، إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينة وقد ظهر الإسلام كتب إلى ملك الروم كتابا وبعث إليه رسولا يدعوه إلى الإسلام وكتب إلى ملك فارس كتابا وبعث إليه رسولا يدعوه إلى الإسلام، فأما ملك الروم فإنه عظم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأكرم رسوله، وأما ملك فارس فإنه مزق كتابه واستخف برسول الله صلى الله عليه وآله، وكان ملك فارس يقاتل يومئذ ملك الروم وكان المسلمون يهوون أن يغلب ملك الروم ملك فارس وكانوا لناحية ملك الروم أرجى منهم لملك فارس، فلما غلب ملك فارس ملك الروم بكى لذلك المسلمون واغتمّوا فأنزل الله ألم غلبت الروم في أدنى الأرض يعني غلبتها فارس في أدنى الأرض وهي الشامات وما حولها ثم قال، وفارس من بعد غَلبهم الروم سيغُلبون في بضع سنين وقوله: (لله الأمر من قبل) أن يأمر (ومن بعد) أن يقضي بما يشاء وقوله (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء) قلت: أليس الله يقول في بضع سنين وقد مضى للمسلمين سنون كثيرة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وفي أمارة أبي بكر وإنما غلبت المؤمنون فارس في أمارة عمر؟ فقال: ألم أقل لك أن لهذا تأويلا وتفسيرا والقرآن يا أبا عبيدة ناسخ ومنسوخ، أما تسمع قوله: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ يعني إليه المشية في القول أن يؤخر ما قدم ويقدم ما أخر إلى يوم يحتم القضاء بنزول النصر فيه على المؤمنين وذلك قوله (يومئذ يفرح المؤمنون .... ينصر من يشاء) ثم قال (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا).

ومن لطائف التفسير ما نقله الكاشاني عن ابن ميثم([175]) (في كتاب الاستغاثة لابن ميثم قال لقد روينا من طريق علماء أهل البيت في أسرارهم وعلومهم التي خرجت منهم إلى علماء شيعتهم ان قوما يُنسبون إلى قريش وليسوا من قريش بحقيقة النسب وهذا مما لا يعرفه إلا معدن النبوة وورثة علم الرسالة وذلك مثل بني أمية ذكروا إنهم ليسوا من قريش وان أصلهم من الروم وفيهم تأويل هذه الآية (ألم غَلَبت الروم) معناه إنهم غَلَبوا على الملك وسيغلبهم على ذلك بنو العباس).

وما ذكره صاحب البحار([176]) (عن كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن تفسير (ألم غَلَبت الروم..) قال: هم بنو أمية، وإنما أنزلها الله: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ بنو أمية فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ عند قيام القائم عليه السلام.

تبيين: كذا في النسخ: غلبت الروم بنو أمية، ولعله كان غلبت بنو أمية فزاد النساخ لفظ الروم، وعلى ما في النسخ وما في الخبر الأول من تفسير الروم ببني أمية يكون التعبير عنهم بالروم إشارة إلى ما سيأتي من أن نسبهم ينتهي إلى عبد رومي، وهذا بطن للآية ولا ينافي ما مر من تفسير الآية موافقا للمشهور).

وقصة استلحاق بني امية ذكرها غير عالم من علمائنا منهم الطريحي إذ نقل عنهم([177]) (إن بني أمية ليسوا من قريش، بل كان لعبد شمس بن مناف عبد رومي يقال له: أمية فنُسب إلى عبد شمس، فقيل: أمية بن عبد شمس فنسبوا بني أمية إلى قريش لذلك، وأصلهم من الروم، وكان ذلك عند العرب جائزا أن يلحق بالنسب مثل ذلك، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وآله يزيد بن حارثة الكلبي مثل ذلك، حيث تبناه بعد أَسْرِه، ونَسَبَه إليه حين تبرّأ أبوه منه، فقال صلى الله عليه وآله: يا معشر قريش والعرب زيد ابني وأنا أبوه فدعي يزيد بن محمد). ومن هنا فما نُقل عن أهل البيت بروايتهم للآية(غَلَبت الروم وهو من بعد غلبهم...) فقرأوا (هو) بل (هم)!!

ولهذا الشرح وجه قوي لكونه تعالى قال في كتابه الشريف:

فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) (سورة الروم4-5).

وقوله تعالى (نصر الله) وهذا يخص المؤمنين لا غير, فلا ينطبق على الروم ولا فارس فهم غير مؤمنين! فكيف ينزل عليهم نصر الله؟!

لذا فلم يأت (نصر الله) إلا للأنبياء أو الذين تحت إمرتهم كما قال تعالى مخاطباً النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (آل عمران:123).

وقوله تعالى:

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ(التوبة: من الآية25).

وقوله تعالى:

إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ (التوبة: من الآية40).

وقوله تعالى:

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (النصر:1).

وقوله تعالى:

وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (لأنفال:62).

وقال تعالى عن نوح عليه السلام:

وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (الانبياء:77).

وقال تعالى عن موسى وهارون عليه السلام:

وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (الصافات:116).

وقال تعالى:

إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (غافر:51).

وقال تعالى على لسان الرسول والذين آمنوا معه:

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (البقرة:214).

وقال تعالى عن الرسل:

وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ (الأنعام:34).

فقول الإمام عليه السلام في سورة الروم أن أولها يخص بني أمية - لذلك ورد أن أهل البيت كانوا يقرأونها (وهو من بعد غلبهم) - وآخرها يخص القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس غريباً بل يسنده المصطلح القرآني خصوصاً لو تذكرنا لم كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول([178]) (سيجيء قوم يقرأون: (ألم غُلِبَت الروم) وإنما هي (غَلَبَت الروم)).


مؤمن آل فرعون

في القرآن الكريم تجد شخصياتٍ سُلّط عليها الضوء بشكل مباشر، فلا تجد مناصاً من مراقبة سكناتهم وحركاتهم وأقوالهم المبثوثة في القرآن، لكون الشخصية واضحة المعالم في الاسم والعنوان والظروف المحيطة بالقضية، كشخصية موسى وعيسى ونوح عليهم السلام، وتجد أيضا الشخصيات التي يكون وجودها ساندا ويشكّل خلفية تهدف إلى ما وراء البعثة والحوارات التي تكتنفها، مثل شخصية مؤمن آل فرعون.

فهذا (الرجل) يظهر في القرآن في موضعين فقط لكنه يترك تأثيرا على رسالة موسى بمجملها لكونه السبب في إنقاذ حياة موسى عليه السلام ولمرتين.

وقد أكثر المفسرون من تخميناتهم بالقربى التي كان عليها هذا (الرجل) من فرعون، فبعضهم قال بأنه خازنه، وبعضهم قال بأنه ابن عمه، وكثير منهم قالوا بأنه كان مؤمناً بموسى (مع أن موسى

نام کتاب : بحوث لفظية قرآنية نویسنده : عبد الرحمن العقيلي    جلد : 1  صفحه : 231
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست