وكما أن كل مبرد لا يصلح لعلة سببها الحرارة
إلا إذا كانت على حد مخصوص فكذلك النقائض التي تعالج بها الأخلاق لا بد لها من
معيار.
وكما
أن معيار الدواء مأخوذ من عيار العلة حتى إن الطبيب لا يعالج ما لم يعرف أن العلة
من حرارة أو برودة، فإن كانت من حرارة فيعرف درجتها أهي ضعيفة أم قوية؟ فإذا عرف
ذلك التفت إلى أحوال البدن وأحوال الزمان وصناعة المريض وسنه وسائر أحواله ثم
يعالج بحسبها، فكذلك طبيب النفوس لا يهجم عليهم بالرياضة والتكاليف في فن مخصوص
وفي طريق مخصوص ما لم يعرف أخلاقهم وأمراضهم.
وكما
أن طبيب الأجساد لو عالج جميع المرضى بعلاج واحد قتل أكثرهم فكذلك طبيب النفوس لو
أشار على المريدين بنمط واحد من الرياضة أهلكهم وأمات قلوبهم.. بل ينبغي أن ينظر
في مرض المريد وفي حاله وسنه ومزاجه وما تحتمله بنيته من الرياضة ويبني على ذلك
رياضته.
قلت:
إن ما ذكرته يجعل مما تقوله علما قائما بذاته.
قال:
بل علوما قائمة بذاتها.
قلت:
فأين أتعلم علمها؟
قال:
في المدرسة التي دعوتك إلى الانتساب إليها.
قلت:
فهلم سر بي إليها.. فما أحوجني إلى التخلص من درن نفسي.